فداء عيتانيثلاثة معطيات تتجمّع على أرض لبنان حالياً:
أوّلاً: الحديث الجدي داخل لبنان، وفي كل أوساط 14 آذار، عن تقسيم لبنان. هذا الحديث يدور همساً بين من يعتبرون أنفسهم «المثقّفين والنخب» في لبنان، والمنتمين طبعاً إلى ثورة الأرز، حيث لا مثقفين خارج هذه الثورة! وبعد مضي أكثر من ربع قرن على مغامرة بشير الجميل الذي أراد تقسيم لبنان إذا لم يصل هو إلى رئاسة البلاد، يبدو اليوم أن الذاكرة تخون فريق 14 آذار، أو على الأقل أنه يرغب في مغامرة أخرى، إذا لم يتمكّن من فرض أكثرية نيابية تعينه على الاستمرار في السلطة.
ثانياً: الرأي الإسرائيلي الذي يتحدّث عن ضرورة «القيام بكل شيء» لمنع المعارضة في لبنان من الفوز في الانتخابات المقبلة، وهو الرأي الذي يستند إلى أن فوز المعارضة يعني المزيد من استشراء حزب الله في السلطة»، وبالتالي تصبح مهمة معاقبة حزب الله التي وضعتها إسرائيل لنفسها، أصعب وتشمل كل المرافق اللبنانية، والشعب اللبناني، دون أن ننسى الإشارة إلى الأسف الإسرائيلي مما سيصيب جماعة ثورة الأرز وقوى 14 آذار من أضرار.
المعطى الثالث هو الدفع الذي تقدمه المملكة العربية السعودية لكل من هبّ ودب، وأبدى استعداداً لفتح باب الشتائم للمدّ الشيعي وعودة السنّة في لبنان إلى وطنيتهم، وكل من نطق صدقاً أو زوراً وتزلّفاً بالحرية والسيادة والاستقلال.
تكاد قوى 14 آذار تلفظ أنفاسها منهكة من الركض نحو الفوز بالانتخابات وباحتساب احتمالات الربح والخسارة قبل أن نصل إلى العام الجديد، الذي يعدّ بداية الانطلاق للسباق نحو مقاعد البرلمان. هذه القوى ولأسباب عدة لا تحتمل الخسارة، أو قل إنها تتوقع نهايتها في حال خسارتها للأكثرية البرلمانية. ولكنها ليست وحدها من يقيم وزناً كبيراً للانتخابات المقبلة، ولا تنفع معها مواقف «جنتلمان» كموقف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الذي أكد سلفاً أنه في حال فوز المعارضة، فإن قوى 14 آذار ستحصل على الثلث المعطّل، معفياً هذه القوى سلفاً من مشقّة التظاهر والاعتصام في الوسط التجاري كما فعلت المعارضة قبل أن تضطر إلى القيام بعمليات السابع من أيار.
مضى ما يقارب ثلاثة أعوام على قيام ثورة الأرز، ويكاد يصعب اليوم تسجيل أي إنجاز للثورة ولقادتها، عداك عن أن أياً من مطالبها لم يتحقق، وأن مطلب إسقاط النظام في سوريا قد تحول إلى وبال على وليد جنبلاط الذي أطلقه، وأن مطلباً مثل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سيجلب لقوى 14 آذار أسوأ كوابيسها حين يجري افتتاح باب السفارة في منطقة الحمرا في بيروت، وتتقاطر وفود اللبنانيين إلى هناك سراً وعلانيّة، إضافة إلى أن المحكمة الدولية لم تعد تعني أكثر من آل الحريري المفجوعين بعملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وحولهم مجموعة من المستفيدين الشرهين، الذين يمكن سماع بعضهم يتحدث في المحافل الدولية عن مقايضة المحكمة بسلاح حزب الله أو بحماية دولية من سوريا، وكأن للحزب أيّة علاقة أو اهتمام مصيري بما ستأتي به المحكمة
الدولية.
وبعد ما يقارب الأعوام الثلاثة على ثورة الأرز التي لم تتمكّن من حماية أفرادها، فإن شيئاً لا يجمع قادة هذه الثورة، اللهم ما عدا السلطة، والخوف من خسارتها، وخاصة أن البعض لم يتمتع بها بما يكفي، وآخرين يرفضون التخلي عن سلطة حافظوا عليها خلال الوصاية السورية وما بعدها برشاقة بدأت تشيخ.
لم يعد الأمر مجرد مزاح، ولم يعد لدى قوى 14 آذار المختلفة شخصية من وزن رفيق الحريري للتضحية بها، والعودة أعواماً ثلاثة إلى الخلف لحصد فوز في الانتخابات المقبلة. المعطى اليوم يختلف محلياً وإقليمياً. السعودية ترفض من ناحيتها خسارة كل ما استثمرته في السياسة اللبنانية، وفي مواجهة سوريا وإيران، في انتخابات يقودها أغرار وشرهون، وإسرائيل تخشى فعلاً مواجهة بلد بأكمله إذا فازت المعارضة في لبنان، وبالتعبير الأدق، تخشى (معنوياً) مواجهة لبنان وقد حمل لواء المعارضة، بقيادة حزب الله.
هذا على أرض لبنان، أما في سمائه، فإن هناك من يحلم ببناء جيش قوي ليقول لاحقاً للمقاومة إن الوقت قد حان لنزع سلاحها، وهذا الحالم ليس في قيادة الجيش، التي لم تجد بدّاً أوّل من أمس من إصدار بيان يحمّل إسرائيل تبعات خطف المواطنَين اللبنانيَّين. هناك في لبنان من يحلم بأن يستعرض قوة جوية تتمكن من تدمير المخيمات، وإجبار حزب الله على نزع سلاحه، إلا أن هذه الأحلام أقرب إلى السراب.