نضال حمديبدو أن نشوة المستوطنين بما صنعوه في مدينة الخليل وبعض مناطق الضفة الغربية أخيراً، تجعل غرورهم ولامبالاة حكومتهم يقودانهم لمغامرة أخطر وأكبر يمكن أن تكون مدينة أم الفحم الفلسطينية ميدانها وساحتها وشرارتها الحارقة. ما زالت أحداث عكا حاضرة في العيون والصدور والقلوب والأفكار. وشعب أم الفحم ومعه كل الفلسطينيين في فلسطين، لن يسمحوا لقطعان الإرهاب المنفلتة بتكرار أحداث عكا والخليل في أم الفحم.
مجرد موافقة السلطات الإسرائيلية على قيام التظاهرة في هذه المدينة التي لا يوجد فيها حتى يهودي واحد، يعدّ تحدياً جدياً للإرادة الفلسطينية العربية في الوطن. كما أن فيه إنذاراً مبكراً بأن النار الاستيطانية العنصرية ستمتد إلى فلسطينيي الـ48 بعدما استباحت الخليل قبل أيام وعكا قبل أسابيع.
تصريحات ليفني الأخيرة ما هي سوى دعم إضافي لتحرك المستوطنين، وإسناد قوي منحتهم إياه يجعلهم لا يتردّدون في القيام بما خططوا له لأم الفحم. فقول ليفني إن على العرب مغادرة إسرائيل إلى الدولة الفلسطينية بعد قيامها، برهان على أن الفكر الصهيوني في إسرائيل الصهيونية واحد، ولا فرق هناك في الانتماء للكيان اليهودي، بين يهودي يساري أو يهودي يميني. فكلّهم تقريباً يؤمنون بيهودية الدولة، ولكي تتحقق يهودية الدولة عليهم إيجاد حل لفلسطينيي الأرض والسكان في الجليل والمثلّث والساحل والنقب وفي المدن المختلطة.
وهذا الحل لا يمكن أن يقوم بغير الترانسفير، وهذا بطبيعة الحال غير ممكن التحقيق لأن الشعب الفلسطيني تعلّم من نكبته ثم نكسته، ولم يعد يخطر في باله مغادرة أرضه ولو ليوم واحد. فالتمسك بالأرض والصمود، والمقاومة عبر التشبّث بالبيت أصبحت عناوين ثابتة لنضال شعب ظل ثابتاً في وطنه وعلى أرضه، متحدياً الجبروت والغطرسة والاستعلاء والإلغاء والاستبداد والتفرقة والإذلال طيلة 60 سنة من عمر نكبة فلسطين، واستشهادها ثم قيام كيان إسرائيل على إنقاضها.
تصريحات ليبرمان عن «العرب الجيدين والعرب السيئين» واضحة ولا تحتاج إلى تفسير. العربي الجيد هو العربي الميت كما قال أحد غلاة العنصريين. أما العربي السيء، فهو الذي يقاوم ويواجه ويقول لا، ويرفض الانخراط في الخدمتين العسكرية والأمنية لدى الاحتلال، ويسجل دائماً أنه فلسطيني وعربي. ويصرخ بأن هذه الأرض أرضه، وهذا البيت بيته، وهذا الحقل حقله، كما البيدر بيدره، والزيتون زيتونه، والليمون ليمونه، والدماء التي تسري في عروق الأشجار وأوردة الأزهار هي دماء أجداده. بينما ليبرمان القادم من روسيا والآخرون المهاجرون من بولونيا وفرنسا والولايات المتحدة والأرجنتين ورومانيا وهنغاريا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، هؤلاء لا علاقة لهم بالأرض ولا بالأزهار والأشجار والأحجار. إنهم لصوص الأوطان، سرقوا هذه الأرض وبنوا عليها أحلامهم. ويقومون الآن بمحاولات اختبارية لرؤية إمكان تحقيق حلمهم بطرد بقية الشعب الفلسطيني من أرضه.
الشعب الفلسطيني في داخل الداخل، الذي قدم الشهداء في يوم الأرض سنة 1976 وعشرات الأسرى خلال مسيرة مقاومته الطويلة، وكذلك الشهداء في هبّة أكتوبر 2000، لم يعد يخاف الصهاينة لكنه يعدّ العدّة لمواجهتهم من قلب أرضه وفي عقر الديار. فهناك ستتحدد معالم المستقبل، وسيتضح كل شيء، لأن أي محاولة للتحرش بالفلسطينيين في مدنهم وافتعال حوادث مع المستوطنين شبيه بما جرى لعكا والخليل، لن تمر بسلام وستكون عواقبها وخيمة على الاستعلائيين والعنصريين الصهاينة.
على أهالي أم الفحم الوقوف صفاً واحداً ضد قطعان الإرهاب من المستوطنين، والتصدي لهم ومنعهم من تدنيس أم الفحم التي ستتحول اليوم إلى أم النور... أم المقاومة ضد المستوطنين والعنصريين، وأم المدن والقرى والبلدات المدافعة عن عروبتها وأصالتها بوجه الهمج المسنودين من نظام جدار العار وجيش المذابح والمجازر في غزة والضفة ولبنان.