راجانا حميةتضيء شموع الميلاد مدخل البيت الصغير في مخيّم مار الياس. في هذا الزاروب المخفيّ في المخيّم، تقطن ليندا القاسم منذ النكبة التي أتت بها من دارها في قرية الزبابدة الفلسطينيّة إلى هنا. لم تخرج العجوز السبعينية، ذات الشعر الأبيض الجميل، يوماً من هذا الزاروب. بقيت فيه، رغم رحيل جميع أبنائها إلى الخارج. هنا تجد ما يذكّرها «بالدار الواسعة في الزبابدة» وطقوس الميلاد التي تحتفي بها مع جيرانها المسيحيين القلائل في مار الياس.
ففي هذه الأيّام التي تسبق عيد ميلاد المسيح، تحضّر «أم سليم» الشجرة والمغارة اللتين كانت قد خبّأتهما من ميلاد العام الماضي في العلّية، وتضعها في غرفة الاستقبال. تحتهما، القمح الأخضر النابت لتوه، أما مدخل البيت فتزينه بصور العذراء مريم وابنها وبعض المصابيح. مشهد تلك المصابيح القليلة الملوّنة المزروعة بعشوائيّة في بعض زواريب المخيّم، يشي بأن «مار الياس» هو مخيّم اللجوء الوحيد في بيروت الذي يعيش أجواء الميلاد، «ولو بتقشّف» كما تعلّق أم صبحي مرجة، بعدما تناقص عددهم إلى حوالى 12 عائلة فقط بعد هجرة الغالبية، إما إلى خارج المخيم أو خارج البلاد، حتّى باتت طقوس الميلاد تقتصر في السنوات الأخيرة على تزيين الشجرة وتعليق الأيقونات داخل البيوت وإضاءة الشموع في ليلة الميلاد وقرع أجراس الكنيستين عند طرفي المخيّم. تخاف أم صبحي من «انقراض» طقوس الميلاد في مخيّمها، وخصوصاً أنّها ما عادت «تشبه ما كانت عليه قبل عشر سنوات مثلاً. حيث كنّا ليلة الميلاد ننشغل بتحضير الدجاجة المحشوّة للعشاء، والنبيذ، وتأدية الصلوات». وحين تسألها عن ديك الحبش «التقليدي» تصحح لك أنه «لعيد رأس السنة وليس للميلاد»، كما تشيع الأفلام الغربية. أمّا اليوم، فتغيّرت ملامح هذا الميلاد، حيث «قلّت الاحتفالات، نظراً لأنّ معظم أبنائنا ما عادوا موجودين في المخيّم».
لكن ما يعزّي هذه العجوز بعض الشيء اليوم، أنّ «الفلسطينيين المسلمين يحرصون على زيارتنا، كي نشعر بالعيد، كما أنّ الفلسطينيين المسيحيين هنا يحافظون على طقوسهم وعاداتهم، رغم قلّتهم». يعلّق مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سميح رزق على ذلك بالقول إنّ «قلّة أعداد المسيحيين في مخيّم مار الياس هي نتيجة الهجرة الكثيفة لهؤلاء إلى الخارج، فباتت أعدادهم في السويد والدنمارك تفوق أعدادهم في مخيّمات لبنان بكثير»، ويرجع رزق إلى نشأة المخيّم، ليؤكّد أنّ المسيحيين الذين خرجوا من شمال فلسطين إلى لبنان كانوا أقليّة مقارنة بالمسلمين، مشيراً «إلى أنّهم في مخيّم مار الياس هم بالأساس قلّة، فيما الغالبيّة موجودة في مخيّم ضبيّه».