Strong>نوال العليسئل الناقد المصري جابر عصفور مرةً عن أكثر ما يشغل باله، فأجاب بتساؤل أيضاً: «إلى ماذا ستنتهي هذه الأمة؟ هل تسير إلى كارثة؟ أم ولادة جديدة؟»... ترى هل يكون رئيس المركز القومي للترجمة متفائلاً الآن، بعدما قررت محكمة مصرية أمس تغريمه وصحيفة «الأهرام» 50 ألف جنيه مصري (9000 دولار) بسبب وصفه الشيخ يوسف البدري بـ«المتطرف». كان ذلك في مقالة له بعنوان «أيها المثقفون اتحدوا» نشرت في الصحيفة القاهريّة يوم 13 آب (أغسطس) الماضي.
كتب المثقف المصري التنويري يومذاك انتصاراً لأحمد عبد المعطي حجازي، في معركته القضائيّة مع يوسف البدري (إيّاه) الذي وجّه إلى الشاعر المصري تهمة السب والقذف، وذلك في مقالة لحجازي تعود إلى عام 2003 تتهم البدري بـ«التطرف ومعاداة الفكر والثقافة والإبداع»، لكونه متفرّغاً لملاحقة المبدعين أمام القضاء. كسب البدري الدعوى، مغرّماً حجازي عشرين ألف جنيه، وتم الحجز على منقولات الشاعر بعد رفضه سداد المبلغ.
واليوم، يعاود القضاء المصري الكرّة كأنّه مصرّ على حسم المسألة: انتقاد رجال الدين من المحظورات في القاهرة مطلع الألفيّة الثانية! بل ذهبت المحكمة ــــ كما ورد في حيثيات قرارها ــــ إلى أنّ عصفور حين وصف الشيخ البدري بـ «المتطرف والمتعصب»، مارس سلوكاً فيه «انحراف عن المباح من النقد وخروج عن الموضوعية المفترضة في كاتب بمثل ثقله الثقافي والاجتماعي». فيما دعا عصفور ـــــ في مقالته تلك ـــــ إلى «مقارعة الحجة بالحجة»... لا الجريدة بالمحكمة.
وفي هذا، لم يختلف عصفور وحجازي. فقد اتفق الاثنان على أنّ البدري من المحتسبين الجدد، داعيين إلى السجال وفتح آفاق الحوار على اتساعها... فتلك، كما كتب عصفور، «خصال الثقافات المتحضرة وتقاليد مصر الثقافية التي لم تعرف كوابيس المحتسبين الجدد، إلا أخيراً في موازاة مدّ الجماعات المتأسلمة أو جماعات الإسلام السياسي التي انحرف بعضها وقام باغتيال فرج فوده واعتدى على حياة نجيب محفوظ». وكان النائب العام قد تحفظ على بلاغ تقدم به عدد من المثقفين المصريين (8 أيلول/ سبتمبر 2007) للتحقيق مع البدري بتهمة إساءة حق التقاضي، ما عدّه كثيرون تحريضاً جدياً على المبدعين، وتهميشاً للإبداع والثقافة في مصر والعالم العربي، وتفريطاً بحياة المثقفين...
سيطعن عصفور بالقرار، ويستأنف الحكم كما أكّد صاحب «هوامش على دفتر التنوير»، ذلك الكتاب الذي يعود فيه إلى أفكار محمد عبده وطه حسين وما لاقته من مقاومة، كأنه يستشرف المستقبل البائس ليس في مصر وحدها، بل في العالم العربي قاطبةً.
لقد ربح السلفيون جولةً جديدةً، بل جولات. كل من وقف إلى جانب حجازي وناصره من مثقفي مصر كان له البدري بالمرصاد، أربع قضايا ربحها البدري المعروف بإقامة الدعاوى القضائية على المثقفين المصريين، أولها ضد الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، ثم حصل على حكم تضامني ضد الروائي جمال الغيطاني رئيس تحرير «أخبار الأدب»، والصحافي فيها زميلنا محمد شعير، وتغريمهما مبلغ 20 ألف جنيه مصري (4 آلاف دولار).
وللتذكير فقط، فإنّ البدري هو نفسه الذي نجح في الحصول على حكم قضائي بتفريق الأستاذ في جامعة القاهرة المفكّر نصر حامد أبو زيد، عن زوجته في التسعينيات بسبب أفكاره واجتهاداته، قبل أن تضطره ضغوط السلفيّين إلى اللجوء إلى هولندا حيث يقيم حتى الآن. إلى أي مدى يمكن أن نرى في انحياز القضاء للظلاميّة، تجسيداً لعصر انحطاط شامل، يتوزعه نظام مستبد وفاسد من جهة، والمدّ الإسلامي بصفته أكثر أشكال الاحتجاج انتشاراً وتجذراً في مصر اليوم؟