تدّعي كل حكومة في بيانها الوزاري أنها ستهتم بالقضاء الذي لا يزال متروكاً في عهدة الإهمال. ومنذ عام 2005، ارتفعت حدة الوعود، من دون أن يظهر في مقابلها سوى ازدياد في الإهمال لا مفر من تكرار الإضاءة عليه
حسن عليق
أكّد رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي غالب غانم لـ«الأخبار»، أنه سيضع التشكيلات القضائية على سلم أولويات البحث فور تسلمه مهامه رسمياً، لما لهذا الأمر من تأثير كبير على السلطة القضائية عموماً. تعيين غانم لم يرفع عدد أعضاء مجلس القضاء الأعلى، إذ إنه اقترن بتعيين عضو المجلس، القاضي شكري صادر، رئيساً لمجلس شورى الدولة. وبذلك، رسا عدد أعضاء مجلس القضاء الأعلى مجدداً على 6 من أصل 10. ولا يزال المجلس اليوم بحاجة إلى تعيين عضوين فيه، (رئيس لهيئة التفتيش وبديل للقاضي صادر) وإلى انتخاب اثنين آخرين (بدلاً من القاضي أمين بو نصار والقاضي رالف رياشي إذا لم يعد الأخير عن استقالته).
ومن يستطلع آراء قضاة، يخرج بنتيجة مفادها أن الأمور لن تستقيم في العدلية قريباً. فمشاكل القضاء مركَّبة من عقد عديدة، أبرزها التدخل السياسي والإهمال المالي والترهل الإداري. وإن كان القاضي غالب غانم يحظى بثقة الشريحة الأوسع من القضاة لأسباب عدة، أبرزها حفاظه على استقلالية مجلس شورى الدولة خلال السنوات التي رئسه فيها، فإن ذلك لن يسهّل مهمة مجلس القضاء الذي كان أعضاؤه قد توافقوا، قبل استقالة الرئيس السابق القاضي أنطوان خير، على عدم بحث التشكيلات القضائية من دون وجود رئيس أصيل لهيئة التفتيش.
وبعد تبلغ القاضي غانم مرسوم تعيينه رسمياً خلال الأيام المقبلة، سيدعو إلى اجتماع لمجلس القضاء، وحينها سيقرر الأعضاء، بحسب ما ذكر أحدهم لـ«الأخبار»، إذا ما كانوا لا يزالون مصرين على قرارهم لناحية عدم البحث في التشكيلات قبل تعيين رئيس لهيئة التفتيش أو لا. ويرتبط تعيين الأخير بسلة تعيينات الفئة الأولى التي لم تتفق أطراف مجلس الوزراء بعد على آلية إصدارها، وهي تخضع لمحاصصة طائفية ومذهبية وسياسية. أما تعيين بديل للقاضي شكري صادر، فيتوقع عدد من القضاة أن يمر بسهولة أسوة بتعيين القاضي ميشال طرزي قبل نحو شهر. وتبقى معضلة انتخاب الهيئة العامة لمحكمة التمييز عضوين بديلين للقاضيين رالف رياشي وأمين بو نصار، المرتبطة بغياب رؤساء غرف في محكمة التمييز من الطائفتين الدرزية والكاثوليكية. لكن لا أحد من القضاة الذين تحدّثوا لـ«الأخبار» توقع إصدار تشكيلات قضائية قبل أقل من شهرين في أحسن الأحوال، بسبب توقع إعادة بحثها، هذا في حال تخطي العقبات المذكورة أعلاه.
ويشير عدد كبير من القضاة إلى أن إصدار التشكيلات لن يكون «خاتمة أحزان» القضاء الذي يعاني مشاكل وتراكمات لا تكاد تُحصَى. فمكاتب القضاة لا تسعهم، وإنّ من يجد مكتباً في سرداب مظلم لن يجد فيه تدفئة وتبريداً ونظافةً وآلات اتصال وتصوير تليق بمكاتب العدالة. أما قاعات المحاكم، فحدث ولا حرج: إضاءتها خافتة وتتسرب المياه من سقوفها وجدرانها، وبعضها من دون زجاج نوافذ، وإذا حضر الزجاج غابت الستائر، فضلاً عن التدفئة والتبريد. ويلاحظ زائر قصور العدل قضاةً وكتبة ومحامين ومتقاضين وشهوداً وحضوراً خارجين من قاعات المحاكم صيفاً وقد ابتلت ثيابهم كمن وقع في بركة ماء، ويراهم شتاءً يفركون أصابعهم التي ازرقّت من شدة البرد. وهؤلاء لا يجدون مرحاضاً نظيفاً لقضاء حاجة فيه. أحد القضاة قال إن زميلاً له يذهب إلى منزله، وآخر يقصد وزارة العدل القريبة، وثالث لم يجد سوى مرحاض مطعم مجاور. القرطاسية تغيب أحياناً عن مكاتب العدلية، ورؤساء الأقلام المنتدبون خائفون من مشروع يعيدهم كتبة، والمترجمون يتقاضون 15 ألف ليرة مقابل ترجمة كل ورقة من التحقيقات السرية، والقضاة الجدد يشكون قلة رواتبهم، وهم الذين سينظر بعضهم قريباً في دعاوى مالية تتصل بملايين الدولارات. يقول أحدهم: «أنا يائس من وضع العدلية، رغم أنني لم أبدأ عملي بعد».