عبد الرحمن زعزع *طبعاً، تسرّني رؤية ذلك الحذاء يطير في المنطقة الخضراء فوق رأس جورج بوش. ولكنني، في الوقت ذاته، لم أشكّ يوماً في ردود فعل الناس حيال الاحتلال في العالم أجمع، لا في العالم العربي فحسب. لم أشكّ يوماً في إرادتهم محاربة بني السلطة، وفي جرأتهم على الإقدام على ذلك. لم أشكّ يوماً في أن الناس سوف ينطلقون بمبادرات فردية خاصة يقومون بها لكي يقولوا لا في ظل غياب مشروع جماعي.
غير أن ما نحتاج إليه هو أكثر من تجارب شخصية وفردية؛ فنحن بحاجة إلى مقاربة جماعية لكي نتقدم. لقد شاهد العالم أجمع صحافياً عراقياً يلقي الحذاء، تماماً كما نذكر الطالب الصيني يواجه الدبابة في مستديرة تينامان. منتظر الزيدي هو مرادف لطومي سميث من ألعاب 1968 الأولمبية؛ فقد خسر الميدالية الذهبية بسبب تحية القوة السوداء. كل هذه أمثلة تظهر كيف يستطيع الأفراد تحدي الوضع القائم. ولكن ملايين الأمثلة من هذا النوع تحدث كل يوم وفي كل مكان، بيد أن آلة التصوير سجلت على شريطها أعمال هؤلاء الأشخاص تحديداً.
الفرق الوحيد هو أن وحدهم الأفراد مستعدون للتضحية ويمتلكون الجرأة والابتكار للقيام بمثل هذه الأعمال، فيما المجموعات والأحزاب السياسية والأنظمة التقدمية الجديدة المحتملة في سبات أو منتفية الوجود، بينما كان الناس في الماضي يستلهمون من عمل جماعي يجري على الأرض.
أجل، جميل هو العمل الذي قام به منتظر، غير أنه كان يجري دوماً هناك في العراق، كل يوم، ولكن من دون أن تلتقطه آلة تصوير. وما نحتاج إليه هو أكثر بكثير مما يستطيع أفراد منعزلون تقديمه لإنقاذ العراق وفلسطين والسودان...
يجب ألاّ يُحوَّل منتظر إلى بطل، فتحويله إلى بطل سيُفقده إنسانيته ووطنيته وحسّه الفطري السليم، وقد كوّنت هذه العناصر الثلاثة أسباب أعماله. وتحويله إلى بطل يعني عزل أعماله فيما نحتاج إلى مضاعفة هذا النوع من الأعمال على عدسات آلات التصوير بانتظار استيقاظ المشروع الجماعي.
ما الإفراط في الفرح بالحذاء إلّا عجزنا عن القيام بأعمال على المستوى الجماعي العربي.
* كاتب لبناني