راجانا حميةلم يشعر محمّد أبو الحسن بغربته في شارع الحمرا كما اليوم. فهذا الرجل، الذي قضى 45 عاماً من عمره في كشك الصحف على رصيف الحمرا ولا يزال، يفتقد هذا العام رهجة الأعياد التي كانت تحتلّ بصخبها وفوضاها الجميلة زواريب الشارع، فيما اليوم تكاد تكون طيفاً لماضيها. يتذكّر الرجل السبعينيات والثمانينيات، عندما كان ينزل «مع العمّال بورشة الزينة التي كانت تبدأ قبل شهر من العيد. كانت الأجواء غير يا عمّي، ويمكن النفسيّة كمان». يسكت السبعيني ملتفتاً من نافذة كشكه الصغير لبعض المصابيح الملوّنة المعلّقة على أعمدة الإنارة، ويبتسم معلّقاً «يا عمّي، شايفة هذه الزينة، صار لها سنتين ما تغيّرت»، ثمّ يقول، وكأنّه يحدّث نفسه «معقول. ربّما صلاحيّة هذه الزينة لا تنتهي عند حدود عيد واحد».
لا يخصّ هذا الانطباع رجل الكشك فقط، فأيّ عابر لشوارع بيروت قد يستغرب ملامح عيد الميلاد الخجولة المقتصرة على زينة «بايتة» من عيد العام الماضي، ومبعثرة بطريقة عشوائيّة في بعض الزواريب، فيما تغيب تماماً في شوارع أخرى كـ«بلس» مثلاً أو الكورنيش البحري وعين المريسة. والضاحية الجنوبيّة التي تغيب فيها ملامح العيد تماماً، يبدو عذرها معها. فهذه الشوارع تعيش اليوم ذكرى «عاشوراء» الحزينة، ولا مكان للعيد فيها أيام الحداد على أهل البيت.
وإن كان للضاحية عذرها الشرعي، إلا أنّ مظاهر العيد في شوارع بيروت المختلطة، كانت شبه غائبة. حتّى واجهات المحال التجاريّة اكتفت بزينة رمزية أو شجرة مزيّنة بين الألبسة أو الأواني المعروضة، أو بعض الحسومات المرفقة بعبارة «لمناسبة الأعياد». والشعور الصريح بالعيد، وإن كان لا يمكن مقارنته بالأعوام السابقة، هو لدى رؤية شجرة الميلاد الكبيرة على مقربة من تمثال الشهداء وسط البلد، وبعض الأضواء على جنبات الطريق الرئيسيّة وورود الميلاد الحمراء التي تحفل بها واجهات المحال هناك.
أما الأحياء التي فرزت خلال الحرب إلى مسيحية صرف، فقد تحوّلت في الأيّام القليلة الماضية إلى ما يشبه ساحات مهرجان. هكذا، سيولد المسيح في «الغربيّة» بـ«مبادرة خاصّة من بعض الجمعيّات الأهلية وجمعيّات تجّار هذه الشوارع وبعض المصارف»، بحسب ما يشير أمين سر جمعيّة تجّار مار الياس زهير صبرا. يتذكّر صبرا «العام الثالث بعد الحرب الأهليّة، يوم بدأت الجمعيّات الخاصّة تزيّن الشوارع في الأعياد»، مشيراً «إلى أنّه منذ ذلك الوقت درجت العادة أن تزيّن الجمعيّات شوارعها، بعد أخذ إذن من المحافظ». ولئن درجت العادة على تلزيم الجمعيّات تزيين الشوارع على نفقتها الخاصّة ، إلا أن صبرا لا يجد مفرّاً من التساؤل «عن واجب البلديّة في مساعدة هذه الجمعيّات في تحمّل نفقات الزينة، وخصوصاً أنّ من واجبها الاهتمام بالمظهر الجمالي للمدينة». وهنا، قد يجوز طرح السؤال فعلاً عن دور بلديّة بيروت أو أيّة بلديّة أخرى في تزيين شوارعها لتشجيع الناس على الخروج في هذه الضائقة السياسيّة والماليّة أيضاً».


بلدية بيروت تزين في الأعياد الرسمية

نظراً لطرح الناس السؤال، وفي اتصال معها لاستيضاحها طبيعة دورها في مناسبة كهذه، لا يبدو أنّ بلديّة بيروت متحمسة لأي دور خارج ما تراه واجبها. ينفض عضو مجلس بلديّة بيروت سعد الدين الوزان المسؤوليّة عن المجلس، مؤكّداً أنّ «دورها يقتصر على تزيين الشوارع في المناسبات الرسميّة، كعيد الاستقلال وعيد الشهداء مثلاً». أمّا عن الأعياد ذات الطابع الديني، فيجيب بلهجة ساخرة «لو زينت البلديّة الشوارع في كلّ عيد، لكانت قضتها في الشوارع بين فكّ الزينة وتركيبها»، ومعلّقاً «إنّ البلديّة تبتعد قدر الإمكان عن الأعياد الدينيّة، فإذا زيّنا بعيد المسيحي رح يزعل المسلم، وإذا زيّنا للمسلم ما بنخلص من الأرمني».