غادة دندشيحاول الأهل عادة إقناع أولادهم بأن «بابا نويل» موجود وهو الذي يجلب الهدايا ليلة الميلاد بعد أن ينام الجميع! لكن بعض الأهالي اختاروا عدم الدخول في لعبة هذه الشخصية الأسطورية التي يمثّلها بابا نويل حامل الهدايا الخفيّ. وقد قام الطبيب النفسي دومينيك توريس غوبير، مؤلّف كتابَي «في يوم ما كان هناك الله» و«بابا نويل والجنيّات»، بتفنيد دوافع هؤلاء الأهل ودراستها في مقابلة مع مجلة «psychologies»، وشرح أسباب هذا الخيار وتأثيره على الأطفال، وكيفية انتقال هؤلاء الصغار من عالم الخيال إلى الواقع خلال مراحل نموّهم المختلفة.
يسّلط غوبير الضوء على حقيقة أن بابا نويل، ليس فقط رمزاً للهدايا والفرح الناتج من تلقّيها، بل إن إدراك عدم وجوده بعد الإيمان به لفترة طويلة، هو في المعنى النفسي إدراك عدم القدرة على تحقيق جميع الرغبات والأماني. رغم ذلك يقوم كثيرون بحرمان أطفالهم هذا الطقس. «لا أريد أن أخبر ابنتي أكذوبة من هذا الحجم، فأنا أحترمها كثيراً. ولقد علمتها بأن الكذب أمر غير أخلاقي، فكيف أكذب عليها؟» تقول سيلفي. عدم الكذب على الأطفال هو دافع بعض الأهل لذا يشرحون حقيقة «بابا نويل»، لكن المحلل النفسي كلود هالموس يؤكّد «إذا كان بابا نويل كذبة، فالحبّ الذي يعبّر عنه ليس أمراً كاذباً». أما ناديا، فتقول « إن الأهل هم من يبتاع الهدايا حسب إمكاناتهم، كيف يستطيع الطفل أن يفهم غياب معظم ما طلبه في لائحته رغم أنه كان مهذباً ومطيعًا؟»، بعض الأهالي كناديا يدركون مرارة الحياة ويعانون ظلمها، وهم يريدون أن يدرك أطفالهم مصاعب الحياة بهدف حمايتهم من خيبات الأمل ومن الألم، لذلك يرفضون الدخول في لعبة بابا نويل لكنّهم يتجاهلون، كما يؤكّد غوبير أن قيام «بابا نويل» بتحديد الهدية التي يجب أن ينالها الطفل، وعدم تلبية جميع رغباته يؤديان غرض إفهام الطفل بطريقة غير مباشرة أننا لا نستطيع أحياناً الحصول على كل ما نشتهي في الحياة، حتى لو بذلنا أقصى جهدنا.
من جهة أخرى، تؤكّد موريل «أن الأطفال لا يوجّهون الشكر إلى أحد حين يتلقّون الهدايا من بابا نويل. أين عرفانهم بالجميل تجاه الأهل الذين يلبّون طلباتهم والذين يضحّون من أجلهم ويحبّونهم حباً كبيراً؟»، هذا هو دافع بعض من ينكرون على أولادهم حقّ التمتّع بوجود شخصية كريمة وعطوفة كـ«بابا نويل»، إنهم يخشون أن يكفّ أولادهم عن محبّتهم، وألا يشكروهم على جهودهم في تربيتهم وتلبية حاجاتهم. يؤكّد غوبير أنه في هذه الناحية بالذات يقوم بابا نويل بتعليم الكبار قبل الصغار درساً قيّماً عن ضرورة عدم توقّع الشكر والعرفان المباشرين عند القيام بالواجب.


أسئلة ومخاوف

إنكار وجود «بابا نويل» أو التعريف بحقيقته، هل هو سلوك يؤدي إلى نقص وبتر في نموّ الطفل النفسي والعاطفي؟ ليس بالضرورة، وإن كانت هذه الشخصية الأسطورية تمثّل جزءاً من عالم الأطفال


الانتقال إلى الواقع

غوبير يؤكّد أن الطفل يقوم برحلة الانتقال من حالة الإيمان بالسحر إلى عالم الواقع، ويشعر بخيبة الأمل. ويطرح الطفل على نفسه السؤالين الأساسيين الوجوديين «كيف ولدت؟» و «ما هو الموت؟»