تحرم الدولة آلاف المعوّقين في لبنان حقوقهم الإنسانية. ورغم صدور قانون يوجب احترامهم تغيب عن المخافر أبسط الوسائل التي تسمح لهم بالحصول على الخدمات كغيرهم من البشر. وتزيد قلّة الأدب في تعاطي بعض الشرطيين والضباط معاناتهم
عمر نشابة
الزميل فؤاد بدران مُقعَد سُرِقَ كرسي مدولب يملكه يوم أول من أمس، في برج حمود. كان الكرسي موجوداً في صندوق سيارته المركونة في شارع سينما «موناكو»، قرب كنيسة مار ضومط، مباشرة أمام ستوديو الأرز. فؤاد حاصل على ترخيص «موقف خاص» من بلدية برج حمود لركن سيارته في المكان المذكور. وبعدما اكتشف السرقة، قصد مركز فصيلة الدرك في برج حمود. هناك، رأى فؤاد شاباً يترجل من سيارة عسكرية ركنها في مكان فيه لوحة مكتوب عليها: آمر الفصيلة.
سأل فؤاد الشاب الذي كان يرتدي زياً مدنياً عما إذا كان بمقدور أحد أفراد الفصيلة أن ينزل ليأخذ إفادته، لأنه لا يستطيع، ببساطة، صعود الدرج. سأل الشاب المذكور فؤاد عن مطلبه، فرد بأنه يريد أن يتقدّم ببلاغ بسبب سرقة كرسيه المدولَب. سأله الشاب المدني: هل تعرف السارق؟ أجاب فؤاد بالنفي. فرد الشاب المدني الذي من المفترض أنه رجل أمن: شو بعملك يعني؟ فقال له فؤاد: أريد أن أدعي ضد مجهول. طلب الشاب من فؤاد العودة في اليوم التالي (أمس)، واتفقا على موعد عند العاشرة صباحاً. سأله فؤاد: هل أسأل عنك؟ أجاب الرجل المدني: نعم، أنا المعني بالأمر. فقال له: لم أتشرف بمعرفتك. شو الاسم الكريم؟ رد الشاب: شو بدك بإسمي؟ شو عم تحقّق معي؟ ثم صعد إلى مبنى الفصيلة.
في اليوم التالي (أمس)، حضر فؤاد عند العاشرة صباحاً برفقة والده. صعد الأخير إلى مبنى فصيلة برج حمود، وسأل رتيباً عما إذا كان بإمكانه (أو أحد زملائه) النزول إلى السيارة لأخذ إفادة ابنه. قال له رجل الأمن: سنأخذ المعلومات منك ثم ينزل أحدنا ليوقّع ابنك المحضر. بعد أكثر من نصف ساعة من الانتظار، طلب والد فؤاد من رجل الأمن أن يستمع لإفادته، فرد الرتيب: روق عليي أحسن ما ابعتك على بعبدا. (يقصد أنه سيرسله إلى النيابة العامة للتقدم بشكوى هناك). وبعد أكثر من ساعة من الانتظار، سأل الرتيب والد فؤاد عن مكان وقوع السرقة. وعندما عرف المكان بالتحديد: قال إنه ضمن نطاق فصيلة جسر بيروت، وبالتالي، عليه أن يقصد مخفر النبعة.
كان فؤاد بدران في هذا الوقت قد تأخر عن عمله. نزل والده إلى السيارة. أوصله فؤاد إلى المنزل وتوجه إلى مكان عمله. يقول إنه يئس من الموضوع، ولم يعد يريد التقدم بشكوى، ما دام التعامل الذي لقيه كان كما ذُكِر. وعندما استوضح أحد أصدقاء بدران فصيلة جسر بيروت عما إذا كان المكان الذي سرِقَ منه كرسي فؤاد تابعاً لنطاق عملها أم لنطاق عمل فصيلة برج حمود، كان الجواب مطابقاً لما قاله الرتيب في برج حمود. لكن القضية ليست في تحديد الفصيلة أو المخفر الذي ينبغي لفؤاد أن يقصده للتقدم بشكوى. فما جرى معه في فصيلة برج حمود أقل ما يقال فيه إنه مخالفة صريحة للقانون وللدستور وللاتفاقيات الدولية التي وقّعها لبنان، والتي تنص على احترام حقوق الإنسان، وعلى مراعاة ذوي الاحتياجات الخاصة، وتأمين متطلباتهم وتقديمها على ما عداها.
فالقانون 220 (2000) ينصّ على وجوب تأهيل «الأبنية والدوائر الرسمية والأرصفة والطرقات والحدائق العامة والأماكن الأثرية والسياحية وغيرها من الأبنية والمنشآت والمرافق العامة» (المادة 36). كما أن البيان الوزاري للحكومة الحالية ينصّ على «العمل جدياً على تطبيق القانون رقم 220/2000 الخاص بالمعوقين» (البند الثالث من الفقرة 49).
المخافر والفصائل وقصور العدل في لبنان غير مجهزة لدخول المقعدين إليها. وما جرى مؤشر على عدم احترام الدولة والسلطات المتعاقبة والمؤسسات الأمنية للحقوق الأساسية للناس، وخاصة لمن يحتاجون من هذه الدولة إلى رعاية خاصة. ما جرى في فصيلة برج حمود يمثّل الثقافة المريضة التي تحكم العلاقة بين قوى الأمن والمواطن. هي ثنائية المتسلّط والمتسلّط عليه، التي تسمح لرجل الأمن بأن يقول للمواطن «وله» و«مسطول» وغيرهما من الصفات التي لو كتِبَت لأحيلَ كاتب هذه السطور على القضاء. تكاد هذه الثقافة تسود معظم الوظائف العامة في البلاد، حيث ينسى الموظف ورجل الأمن والضابط والوزير والنائب والرئيس أنه يتقاضى راتبه من جيوب المواطنين.
وينسى (أو يتناسى) معظم من انتدبوا أنفسهم للخدمة العامة أنهم منذ لحظة تعيينهم في مراكز عملهم باتوا يعملون لخدمة الشعب اللبناني لقاء أجر. هم أجراء الشعب. وأقلّ ما يُطلب ممن يعجز عن القيام بعمله المأجور هو الاحترام. فقط قليل من الاحترام. أكثير على الناس؟


المخفر كالسوبر ماركت؟

المتاجر الكبيرة مجهّزة بمداخل مخصّصة للمقعدين وذوي الاحتياجات الخاصّة بينما يغيب ذلك عن معظم المباني الحكومية والدوائر الرسمية. التجهيز المناسب هو الشيء الوحيد الذي يتمنّى المواطن أن تأخذه الدولة عن السوبر ماركت... لكن يبدو أن العكس هو الصحيح