طرابلس ــ عبد الكافي الصمد«من ثلاثة أيام وأنت تقول لي بكرا بتخلص المعاملة. كلّو إخراج قيد، شو إنت عم تخترع الذرّة؟». يصرخ أحد المواطنين في وجه أحد الموظّفين في دائرة قلم نفوس طرابلس، وهو يطالبه بإنهاء معاملته التي لا يبدو أنّها ستنتهي في القريب العاجل. لا يجد الموظّف، هو الآخر مفرّاً من إجابة المواطن بالصراخ أيضاً، فيردّ عليه بعصبيّة من وراء الشبّاك الحديدي الفاصل ما بينه وبين أصحاب المعاملات «يا إبني بدّك تنطر، شو نحن ماكينة حتى نخلّص كل المعاملات بساعتين».
مشهد المشادات الكلامية هذا بين المواطنين والموظّفين في دائرة قلم طرابلس بات مألوفاً في الآونة الأخيرة، حيث يصطفّ عشرات المواطنين في صفّ طويل يبدأ من أمام مكتب محافظ الشمال في سرايا طرابلس وينتهي أمام مبنى الدائرة، فيعيش الشارع الصخب والفوضى منذ الصباح الباكر وحتّى موعد الإقفال الرسمي. ولما كان أصحاب المعاملات يشعرون بأنّ الأمر سيطول، كانوا يعمدون إلى تسلية أنفسهم بتنظيم الصفوف أمام شباكين، أحدهما للرجال وآخر مخصّص للنساء، ولكن لا تكاد تمرّ بضع دقائق، حتّى تختلط الصفوف وترتفع الأصوات ويعلو الصراخ كلما فتح أحد الموظفين الشبّاك من الداخل لإعطاء من ينتظر في الخارج معاملته بعد مناداته باسمه. وكلّ هذا الصراخ والشتائم أمام المبنى، وعناصر قوى الأمن الداخلي تقف عاجزة عن معالجة المشكلة، فأعدادهم القليلة لا تقوى على ضبط طوفان البشر.
وأمام هذا الواقع، يوضح مختار محلّة الحدادين وليد درنيقة لـ«الأخبار» أسباب هذه الزحمة التي يعيشها شارع دائرة قلم طرابلس، فيشير إلى أنّ «سبب العجقة اقتصار عمل الموظّفين على ساعتين فقط، من الثامنة حتى العاشرة صباحاً، لتخليص معاملات المواطنين». ويقول درنيقة إنّ «اقتصار الدوام على ساعتين يعود إلى انشغال الموظّفين بإنجاز لوائح الشطب الخاصّة بالانتخابات النيابيّة المقبلة»، لافتاً إلى أن «إخراج القيد الذي كنّا نتسلّمه سابقاً في غضون ساعة واحدة، بتنا اليوم ننتظر يومين أو ثلاثة أيّام للحصول عليه».
وإذ يلفت درنيقة إلى وجود عوائق عدة تؤدّي إلى تأخير المعاملات بهذا الشكل مثل «عدم وجود المكننة، وبطء العمل بسبب نقص الموظّفين وتقدّم بعضهم في السنّ، واهتراء سجلّات النفوس القديمة»، إلا أنّه يشير إلى أنّ «أي مواطن يأتي من الخارج لإنجاز معاملة إدارية ما، يغادر وهو يشتم الدائرة والموظفين والمسؤولين، نتيجة ما يجده من عراقيل وفوضى ليست موجودة حيث كان يقيم».
أمّا مختار محلة باب التبّانة علي الثورة، فيشير إلى أن «هذه العجقة جديدة، ولم تكن موجودة في الأيام الماضية، ولكن التحضيرات للانتخابات النيابية المقبلة أخذت معظم وقت الموظّفين وجهدهم». ويستطرد قائلاً: «وإذا أراد أحد المواطنين إنجاز إخراج قيد أو سجلّ عدلي أو حتّى معاملة للدخول إلى المستشفى مثلاً، فإنّه سيتأخّر لإنجازها يومين أو ثلاثة، ومع أن معاملات المخاتير تنجز قبل غيرها، فإنها تتعرّض للتأخير أيضاً». ومن جهته، شكا مختار باب التبانة ـــ جبل محسن عبد اللطيف صالح من هذا التأخير، مشيراً إلى أنّه يضطر للقدوم يومياً إلى الدائرة لإنجاز معاملاته، «الأمر الذي يدفعنا إلى تعطيل أشغالنا، فضلاً عمّا تسببه العجقة من تعطيل إضافيّ لمصالح الناس، وخصوصاً أن هناك طلّاباً وموظّفين يقيمون خارج طرابلس ويأتون يومياً لإنجاز إخراج قيد، فهل يبقون فيها 3 أيام لهذا الغرض؟». ولكنّه يختم قوله معلّقاً «الانتخابات النيابية تأخذ كل الاهتمام، إذ لا صوت يعلو فوق صوت الانتخابات».


لوائح الشطب قبل نهاية العام

أوضحت بعض المصادر المطّلعة في طرابلس، فضّلت عدم ذكر اسمها، أن «دوائر أقلام النفوس في طرابلس والشمال يصلها أكثر من تعميم يومياً، لجهة استقبال طلبات المواطنين أو إغلاق الدوائر من أجل التفرّغ لإنجاز لوائح الشطب قبل انتهاء العام الجاري، حتى بات الموظّفون لا يعرفون ما هو المطلوب منهم، بعد الضياع الذي باتوا يشعرون فيه». وأشارت هذه المصادر إلى أن وزير الداخلية زياد بارود «يقف اليوم أمام تحدّ في سبيل إجراء الانتخابات النيابية بأقل قدر ممكن من الشوائب، لكن يبدو أنه يخوض حرباً بأسلحة لم يعدّها بنفسه، في ساحة حرب فعل فيها الفساد السياسي والمحسوبيات فعله». وتساءلت «هل الوزير بارود على اطّلاع كاف بما يجري من تفاصيل في الدوائر أم أن التدابير الإدارية والمسلكية التي قد تتخذ ستنتقل من هالك إلى مالك إلى قبّاض الأرواح؟».