يحتفل العالم اليوم بالميلاد، كل العالم، بينما يجلس السجناء خلف قضبانهم، يرمقون الثلج بنظرات متعبة، كما يرمقون حر الصيف. لا فرق عندهم بين الميلاد وغيره. السجن مقفل على الأحداث في الخارج. لكن.. ثمة خروقات تحدث. أمس، استكملت الفنانة اللبنانية زينة دكّاش (ايزو) ما بدأته في نيسان المنصرم، من تحضيرات للقيام بعمل مسرحي داخل السجن، يمارسه السجناء أنفسهم. يهدف العرض إلى مساعدة السجناء في الحصول على إعادة تأهيل محق. وبعد انتظار دام أكثر من عام، حصلت الفنانة دكاش على إذن للبدء بتنفيذ المشروع الذي كان من المفترض أن يستغرق سنة أو أكثر، بمشاركة 40 محكوماً. إلا أن تجاوب السجناء كان أسرع من المتوقع. نجحوا أمس، داخل حدود سجن رومية، في القيام بأول عرض مسرحي لهم، كذلك الذي شاركت دكاش في إعداده داخل سجن فولتيرا في إيطاليا عام 2002.بدا السجناء كممثلين حقيقين، في سترات سوداء وسراويل جينز عادية. وتمحورت مسرحيتهم حول هيئة محلّفين، يدور الحوار بين أعضائها حول طريقة إعدام أحد المتهمين، فإما أن يكون شنقاً أو لا. بعضهم راح يسرد القليل من قصصه الشخصية على طريقة المونولوج. أحدهم بدا طريفاً جداً، وهو يلعب دور أحد السجناء، الذين اكتشفت أمه أنه يتاجر في المخدرات، ولا يتعاطاها وحسب. يقول للقاضي مقلداً أمه «أخبار جيدة يا بني، أخبرت القاضي أنك تبيع الحشيشة ولا تتعاطاها» ثم يتظاهر بالإغماء ممازحاً.
ويطلق السجناء على دكّاش، المحببة كثيراً إلى قلوبهم، لقب «أبو علي» باعتبارها «قوية» كأي رجل منهم. وهم رجال أشداء فعلاً، بالنسبة لما يعانونه من ظروف صعبة. يقبع أربعة آلاف سجين داخل رومية، إضافة إلى المتشددين الإسلاميين، في مكان ليس من المفترض أن يحوي أكثر من 1500 سجين فقط. ويقول سجين عراقي آخر، طويل القامة، وحليق الرأس، إن زينة دكّاش كانت بمثابة النافذة التي مكّنتهم من الإطلالة على العالم. أنور، وهو اسم السجين، محكوم لمدة 15 عاماً بتهمة القتل. يتابع وصفه للعمل بطريقة أكثر وعياً، فيردف «إنها شكل من أشكال الحرية لجميعنا هنا، كأننا كنا نضع أقنعة على وجوهنا في هذا السجن، واليوم اكتشفنا أننا أشخاص آخرون». يصف آخر دكّاش بالأسطورة، ويرحب بأكثر من مئة متطوع آخر يتابعون العمل. أما دكّاش، فبرأيها «السجناء يريدون أن يقولوا شيئاً». تشعر في السجن بأنها تتعامل مع أناس صادقين بالمطلق، فخارجه يمكن أي إنسان تزييف الأشياء، ولذا ترغب بأن تكون معهم في السجن. داخل رومية، غضب السجناء (حتى في فرحهم) حقيقي تماماً.
(الأخبار، رويترز)