كارين عبد النور لماذا يسعى بعض الأهالي إلى تعريف أولادهم بالممارسات الروحانية أو الدينية، رغم أنهم أنفسهم لا يمارسونها يوماً؟ هذا السؤال طرحته مجلة «psychologies» الفرنسية بعد توسّع هذه الظاهرة، ونقلت قصصاً لآباء وأمهات يدفعون أولادهم إلى التأمّل، و«الصلاة الملائكية»، أو الطقوس الهندية، وما إلى ذلك. آن (40 عاماً) خرجت في رحلة إلى فسحة فانسين برفقة زوجها ماتيو وولديها كلارا (7 أعوام) وجوليان (11 عاماً)، تروي «قبل المباشرة بتحضير سلطة الأرز، وقف كل منا وأغمض عينيه وبقي صامتاً دون حركة لدقائق معدودة. كنا نتواصل مع طاقة الأرض ونشكر الكون على كل ما وهبنا إياه». وأكّدت آن أنها وزوجها لا يُعتبران مؤمنين ملتزمين لكنهما مجرّد شخصين يرغبان بتوسيع «حقلهما الإدراكي»، ويسعيان إلى أن ينقلا إلى أولادهما القدرة على الاتصال مع الكون المرئي واللامرئي.
قصة آن وماتيو تشبه قصص الكثير من الأهالي الذين يحاولون إدخال مساحة روحية في حياة أولادهم، بعيداً عن الطقوس الدينية البحتة. وفي هذا الإطار، يستنتج المفكّر ميشال لاكروا أنه: «كلما ازداد التراجع في ممارسة الطقوس والشعائر الدينية، كلما ظهرت في المقابل حاجة ماسة للإيمان بحقيقة فائقة تساعد في إعطاء معنى للوجود». وربما يكون هذا هو النوع من الإيمان الذي يحاول الأهل تعليمه للأبناء. فعند البعض يتمحور هذا الإيمان حول روحية دون إله، وعند آخرين يرتكز على مبدأ إلهي تدور كل معتقداتهم في فلكه. ألا يمكن أن يكون ذلك هو حب الجمال والحق والخير بذاته، ألا وهي القيم الأفلاطونية الثلاث؟...
تختلف الممارسات «الروحانية» من عائلة إلى أخرى، وذلك يعود بالطبع إلى البيئة الاجتماعية التي تنتمي إليها كل عائلة، وإلى مستواها الثقافي، وترتبط هذه الممارسات من جهة ثانية بمدى تطوّر المجتمع نفسه وحساسيته، إلاّ أن الرابط الذي يجمع هذه العائلات يمكن تلخيصه بالرغبة في مساعدة الأبناء على تطوير قوتهم وقدراتهم الداخلية.
المحلّل النفسي جاك أرين يوضح أن «حياتنا العصرية مشتّتة كلياً، إلى درجة أننا نجهل إلى أي حد تنغلق ثقافتنا على حياتنا الداخلية. لذلك يصعب علينا اتّخاذ قرارات مميّزة وواعية، إيجاد طاقات ومنابع في أنفسنا، أو مواجهة أي تجربة في ظلّ غياب هذه الروحانية الداخلية. فيمكننا تعريف الروحانية بأنها، قبل كل شيء، تمثل القدرة على الاتصال مع الداخل، ومن ثم الاتّصال بمدى أبعد من الأنا، ربما الإله أو الآلهة أو الطبيعة أو المثال».


احذروا التجّار

يشدّد لاكروا على ضرورة الحذر من بعض «الترتيبات الروحانية» التي يُتاجر بها، ويدعو إلى الحوار الدائم في شأنها، لافتاً إلى أن بعض الشعائر الرخيصة تهدف إلى تسيير العقول لا إلى إنارتها».


سيطرة العقل

ليز بارتولي، معالجة النفس العيادية تأسف للتربية الخاطئة التي تهدف إلى سيطرة للعقل عند الأطفال، وتلفت إلى أن الأولاد يملكون ميولاً روحانية «ولكننا لا نعطيهم الفرصة للتعبير عن هذه الحياة».