إبراهيم الأمينلم يكن الاعتداء الأميركي على الآمنين في البوكمال جريمة فقط، بل كان الخطأ بعينه، لأن من اتخذ القرار ولو كان يريد أن يبعث بألف رسالة، فهو يعرف أن ما من أحد مستعد ليجيبه في الوقت الضائع. حتى ولو جنّ جنون ديك تشيني لمجرد أن ديفيد هيل كان يدرس طلباً من رئيسته كوندوليزا رايس لزيارة دمشق. وهو الخطأ الذي يحتاج إليه الخصم في لحظة معينة. هكذا بدت دمشق رافضة للعدوان ومهتاجة بوجه محاولة إضعافها، لكنها متشوّقة لجولة من المواجهة مع الاميركيين تحت هذا السقف. فليس منتظراً من أحد في كل العالم أن يتظاهر مطالباً بشار الأسد بشنّ هجوم على الجيش الاميركي، وليس في المنطقة والعالم من هو مستعد لشن هجوم على الجيش الاميركي، ما يعني أن ردود دمشق باتت مفتوحة خارج الخيار العسكري، الأمر الذي يمكنها من القيام بالكثير في سياق إبطال المفعول السياسي لهذه الغارة.
لكن الخطأ الاميركي يتجاوز ملف سوريا ليصيب المحادثات الجارية مع العراق بشأن الاتفاقية الامنية، إذ يصعب على أي جهة في العراق، مهما وجدت في نفسها قوة، أن توافق على اتفاقية تشتمل على بنود تعطي الجيش الاميركي حق الاعتداء على دول مجاورة انطلاقاً من العراق، إذ ليس بمقدور العراق ولا الجيش الاميركي مواجهة ردود فعل في ظل الفوضى القائمة في كل العراق، ما يدفع الى الاعتقاد أيضاً بأن الخطأ الأميركي قد يكون مستهدفاً لأمور أخرى.
لكن، هل كانت هذه الغارة بمثابة تصويت مبكر من إدارة الرئيس جورج بوش للمرشح ماكاين، وهل يمكن لعمل من هذا النوع أن يستدرج الآخرين الى مواجهة من النوع الذي يدفع الجيش الاميركي إلى خوص مغامرات في ربع الساعة الاخير؟ هذا الامر ليس وارداً في حسابات أي عاقل، علماً بأن العاقل في العالم اليوم، من يساعد أميركا على الخروج من المنطقة بأقل الخسائر الممكنة التي قد تقع على عاتق الدول والشعوب الخاضعة للاحتلال الأميركي. وهذا وحده يحتاج الى جهود جبّارة، لكنه يحتاج من الأميركيين _ على الأقل ـــــ إلى الصمت والجلوس في انتظار أن يأتي أحد ويمسك بأيديهم ليدلهم على طريق البيت.