العنف الأسري، أو عنف الزوج الجسدي تجاه المرأة، عنوان يحتل هذه الفترة اهتمام جمعيات وحكومات في دول مختلفة. المرأة في هذه الحالة هي الضحية المباشرة، وكلنا ندرك أن الأولاد هم أيضاً ضحايا هذا العنف، ولكننا نادراً ما نتذكر أن تأثيراته ترافقهم طوال حياتهم، وتطال سلوكهم وعواطفهم، وتؤثر كذلك على الحياة الجنسية، وقد يستفيق «الشيطان» المخفي صدفة لينغص حياة الولد

ليال حداد
لم يتردّد إميل نجيم في طلب بندقية صيد من والديه في عيد ميلاده. بعد الدبابات البلاستيكية، وبعد الكتب التي تشرح تفاصيل صنع الأسلحة، حان وقت السلاح الحقيقي، وإن كان للصيد فقط. هوس ابن السادسة عشرة ربيعاً مبرر عند عدد لا بأس به من المراهقين الشباب، إلا أن تبرير إميل للأمر لا علاقة لها بهوايات المراهقين، يقول:«أشعر بأنني قوي حين أحمل السلاح، أشعر بالأمان». والأمان الذي يبحث عنه الشاب بالسلاح وبالعنف مفقود في منزله، فالأب يضرب الأم ويعنّفها، والأولاد شهود على ذلك، وإن كانوا لا يتعرضون لأي أذى جسدي.
قد يكون إميل مثالاً تقليدياً لأولاد يعيشون في بيئة تشهد عنفاً جسدياً بين الوالدين، وهو ما تؤكّده المعالجة النفسية نادين لحود التي تلفت إلى أن إميل يشهد، منذ كان طفلاً، العنف بين والديه، بين الرجل القوي والمرأة الضعيفة، من دون أن يشرح له أحد سبب هذا العنف، وبالتالي يرى الولد أن العنف من سمات قوة الرجل. وعنف إميل قد لا يقف عند طلب ألعاب حربية، وتؤكد لحود أنه «بعد زواجه أو ارتباطه عاطفياً سيتقمّص دور والده، وسيعنّف زوجته، لا انتقاماً، بل لاعتقاده بأن ذلك سلوك طبيعي بين الرجل والمرأة». وتدعو لحود إلى «محاولة إنقاذ الولد، من خلال شرح الوضع له، كأن تقول له الوالدة المعنَّفة إن والده يضربها لأنّه مريض نفسياً أو لأي سبب آخر، المهمّ أن يشرح أحد للطفل سبب المشكلة».
من جهة أخرى، إنّ عدم وجود مرجع عاطفي عند الولد، وعدم إدراكه لسبب هذا العنف، يدفعه إلى لوم نفسه، «هكذا يعتقد الولد أنه هو سبب المشكلة بين والديه، فهو غير قادر على مصالحتهما، وبالتالي ينتابه شعور بالفشل، ما يؤثّر على شخصيّته». والمرجع العاطفي لا يجب أن يكون بالضرورة برأي لحود، الأم أو الأب، فقد يأخذ أحد الأقارب المبادرة، ويحتضن الولد لينقذه ربما من التأثيرات النفسية للعنف بين والديه. ومن هذه التأثيرات، كما تقول لحود، مشكلة العلاقات الجنسية عند الولد، فهو إمّا سيكثر من علاقاته عندما يكبر «لكي يشعر بأنه محبوب من شخص ما»، وإما سيواجه صعوبة في إقامة علاقات سوية «إن لجهة الانتصاب أو القذف بسبب الخوف الذي يكبّله».
في الإطار نفسه، يذكر طلاب إحدى كليات الإعلام قصّة زميلهم «الناعم جداً»، فقد كان منبوذاً من قسم كبير من الطلاب. وفي أحد الأيام، انهار الشاب وأخبر قصّته علناً أمام عدد من زملائه. اعترف بأنه مثلي جنسياً، وتحدّث عن خوفه وعن هواجسه التي عاشها في طفولته، حين كان والده يأتي إلى المنزل فقط ليضرب الأم ويعنّفها أمامه وأمام إخوته، ما دفعه إلى الهروب لبيت خالته الحنون، هناك جرّب تقليدها فارتدى فساتينها وملابسها الداخلية.
هكذا، ينعكس العنف بين الوالدين، على ميول الأولاد الجنسية وخياراتهم. فلا تكون الخيارات الجنسية إلاّ رد فعل على عنف الأهل، ولا تكون المثلية الجنسية هنا خياراً حراً لصاحبها، أو أمراً مرتبطاً بتكوينه البيولوجي، إنما هي انعكاس لخوف قديم أو انتقاماً من عنف أحد الوالدين تجاه الآخر. غير أن العنف بين الأهل وتأثيره على الأولاد لا ينحصر في إطار الضرب أو العنف الجسدي. فللعنف الجنسي أيضاً دوره ومفعوله السلبي على الأولاد. وهذه هي حال زياد و. هو أستاذ جامعي، متزوّج وأب لثلاثة أولاد.
عاش الرجل «حياة طبيعية» إلى أن توفيّ والده، ثمّ أخاه بمرض وراثيّ. أصبح يخاف الوحدة، وتنتابه نوبات عصبية ما أن تغادر زوجته المنزل. وبعد تفاقم حالته، قصد معالج نفسيّ، وأدرك أن لمشكلته جذور تمتد إلى تلك الليالي الشتوية، حين كان طفلاً في الخامسة يشهد سراً على العلاقة الجنسية بين والديه، فقد كان يعنّف أحدهما الآخر، بصوت مرتفع عند ممارستهما الجنس في منزل صغير ضاق بسكانه.
زياد، مع وفاة والده ثم شقيقه، استعاد الشعور الذي كان ينتابه وهو يسمع صوت والدته تصرخ عند ممارسة الجنس، «ففي مخيلة الولد، عندما يسمع هذه الأصوات لن يدرك أنها مرتبطة باللذة الجنسية، بل سيظنّ أن والده يضرب والدته، وخصوصاً إذا رآهما يمارسان الجنس، فمشهد الوالد فوق الوالدة سيصبّ أيضاً في إطار تعنيف الأم». وقد يذهب الولد إلى «خصي نفسه» أي إنه لا يمارس الجنس إطلاقاً، لأن عضو والده كان سبب العنف برأيه، لذلك يلغي دور عضو هو، وفي بعض الحالات قد يستعمل الولد هذا العضو للأذية، فهو أيضاً قد يمارس الجنس بعنف، وقد يقوم بعمليات اغتصاب.


ردات فعل متنوعة

تؤكد لحود أن الولد الذي يرى والدته معنّفة تبكي وتخاف، سيشعر بالشفقة عليها وبأنه قريب منها أكثر من الوالد الذي لا يحضر إلى المنزل إلا ليمارس العنف. هذا الولد سيتقمّص شخصية أمّه، أي إنه سيتماهى معها بالتعبير العامي الشائع، وسيبحث عما يعوّض غياب الأب عنه، ربما من خلال إقامة علاقة مع شاب آخر. وقد يبحث عن «تعويضات» تتخذ أشكالاً وممارسات أُخرى. وهنا نكرر أن المثلية الجنسية يجب أن تكون خياراً نابعاً من رغبات الإنسان لا ردة فعل على سلوكيات والده. أما بالنسبة إلى الفتاة، فقد تنتفض على وضع أمّها. وتلفت لحود إلى أن الفتاة في هذه الحالة قد ترفض أنوثتها، «لأن الأنوثة بنظرها تعني الضعف» وستأخذ دور الرجل، أو أنها ستكره الرجال، وسترفض الارتباط بأي منهم خوفاً من أن تتعرّض للضرب كوالدتها