أنطوان كعديما كنا بحاجة للتعقيب على تعليق دولة الرئيس، النائب الأستاذ ميشال المر بشأن عدم جدوى المطالبة بحقوق الطائفة الأرثوذكسية في الوقت الآني، لكونها تخرج عن توقيتها لولا قوله إن من الأجدر، في الوقت الحالي، الاهتمام بشؤون المواطنين وهمومهم الكثيرة، وتوفير لقمة العيش لهم ولعيالهم وتنتهي بالتجنّد لتجنّب إصابة لبنان بشظايا الأزمة المالية التي تلحق الخراب بالاقتصاد العالمي، والتي لن تبعدها عنا سوى قدرة الله عز وجل، لكون الاقتصاد اللبناني مهترئ ومتصدع نتيجة الهدر والفساد وتراكم الدين العام منذ سنين طويلة. وفي هذه السنين، كان ميشال المر في عداد أهل القرار، فلا تجنَّد لمحاربتها، ولا تجنَّد لتوفير لقمة العيش للمواطنين، ولا تجنَّد للمطالبة بحقوق الطائفة الأرثوذكسية منذ اتفاقية الطائف ومروراً بالحقبات التي تولى فيها من بعد الطائف مهام نيابة رئاسة الحكومة وتوالى عليها لسنوات طوال في عهدي الرئيسين الهراوي ولحود ولا حتى على طاولة الرئيس بري الحوارية، وكان حاضراً بصفته مرجعية أرثوذكسية. فما بالهم، يقولون ما لا يفعلون؟
فهل قلت لنا يا دولة الرئيس متى يحين الوقت المناسب؟ ألم يئِن للمؤمنين الأرثوذكس هذا الوقت منذ الطائف وحتى اليوم، لإنصافهم؟
فلعلك أضعت السوانح المتاحة سابقاً للمطالبة بحقوق طائفتك التي نفتخر بالانتماء إليها، والتي قد جعلت نفسك مرجعية لها.
والمرجعيات، يا دولة الرئيس، لا وقت يوقفها أو يؤخرها عن المطالبة بحقوق شعبها الذي له وحده الفضل والقرار بتسمية مرجعياته. والطائفة الأرثوذكسية لها مرجعيات كبيرة، منها، اللواء عصام أبو جمرا، الذي هو اليوم عصمتها وكبرياؤها والمدافع الأقوى عن حقوقها.
وكيف تكون مرجعية للطائفة الأرثوذكسية، وأنت لم تنتخب نائباً في أول دورة إلا بفضل المرحوم الشيخ بيار الجميل الذي كان له وحده الفضل بتوليك تلك النيابة؟
ومن بعد الطائف عينت نائباً في عهد الوصاية السورية، ومن ثم انتخبت تحت تأثير نفوذها.
وبعد خروج السوري ما كنت لتنتخب نائباً لولا إدراجك على لائحة زعيم النصارى ومرجعيتهم السياسية في الشرق العربي، وعدت وتنكرت لفضله وغاب عن ذهنك، في تصريحاتك الصحافية، اسم تجمُّعه الذي كان يُجلسك فيه عن يمينه؟
فإذا كنت قد نسيت بهذه السرعة اسم التكتل الذي كان سبب نيابتك في عام 2005، فلا عجب أن تكون قد نسيت، طوال هذا الوقت، المطالبة بحقوق طائفتك وأبنائها خاصة فيما يتعلق بصلاحيات نيابة رئاسة الحكومة. فالمرجعية يا دولة الرئيس لا تَنسى، لأنها مرجعية يُرجَعُ إليها يوم يُنْتَسى، وإن هي نَسَت، فعليها أن ترجع إلى مرجعية لا تنسى، وهي مرجعية الشعب الأرثوذكسي الذي يمثله اليوم «نمر لبنان» اللواء عصام أبو جمرا، وهو أكبر من منصب لأن فيه تجتمع المناصب.
يكفي دولة الرئيس اللواء عصام أبو جمرا أن يكون محقاً في توقيت طرحه حقوق الطائفة الأرثوذكسية، وقوف أبناء الطائفة بغالبيتهم وراء مطالبته بها، وفي مقدمتهم سيادة المطران جورج خضر، مطران جبل لبنان وبلاد البترون للروم الأرثوذكس، وفي ديار مطرانيته الجغرافية غالبية الأرثوذكسيين في لبنان، ولا ننسَى المطرانين كفوري والياس نجم، فهل هم أيضاً أخطأوا في التوقيت، وأنت أصبت فيه، على الرغم من عدم مطالبتك بهذه الصلاحيات منذ اتفاقية الطائف وحتى اليوم؟
نحن نحبك يا دولة الرئيس، ونعتز بك أن تكون مرجعيتنا، ما دمت متعلقاً بالمحافظة على حقوقنا، ونحن نعتب عليك اليوم في ما ذهبت إليه، لأن في ذلك خطأً، والعتب على قدر المحبة، والرجوع عن الخطأ فضيلة.
وأخيراً وليس آخراً، هل لنا بأن نذكرك، بأنك لم تنس فقط المطالبة بحقوق أبناء طائفتك الأرثوذكسية في ما يتعلق بصلاحيات نيابة رئاسة الحكومة وحسب، بل نسيت شؤون أبنائها وأوضاعهم، ولقمة عيشهم، وتغافلت عنها وعن المطالبة بها، وأذكر منها، على سبيل المثال لا التعداد، طرقات بلدة بسكنتا الحرة وتصريف إنتاج مواسمها الزراعية، وهي التي تصب آلاف الأصوات الأرثوذكسية في صناديق اقتراعها إلى جانبك، وهي التي لم تركع يوماً لمحتل منذ ما قبل الأتراك، يحيطها جبل صنين بالمناعة المستعصية الراسخ في الأرض والرافع رأسه شموخاً كأبنائها الفلاسفة والشعراء والأدباء والمحامين والأطباء والمزارعين الكرام، وعلى أقدامها وادي الجماجم العميق الذي ملأه أبناؤها الأبطال المغاوير برؤوس المماليك، وها هذا الوادي اليوم يمتلئ بأجساد أبنائها لسوء طرقاته وضيقها ووعورتها، فضلاً عن طرقاتها الداخلية التي تعود إلى زمن العثمانيين، وهي أشبه بالزواريب من الطرقات. وضننت عليها بحقوقها عليك لكونك نائباً عنها.
ألم يئن أيضاً وقت إنعاش بسكنتا؟ وتأهيل طرقاتها الذليلة، وهي جارة بتغرين، وبتغرين طرقاتها عزيزة معززة، وقد شققت أخيراً، من بتغرين وصولاً إلى مشروعك السياحي في الزعرور، أوتوستراداً حديثاً واسعاً لا مثيل له في الشرق ولا في الغرب، وقد أنفق في سبيل إنشائه المال العام، وبقيت طرقات بسكنتا أشبه بدروب الغاب، وما أنفق عليها من المال العام بارة الفرد.
كيف لنا ألا نعاتب يا دولة الرئيس، وفي القلب غصة، لا بل غصات، نكتفي اليوم بهذه الغصة، وندعوك إلى العودة إلى سربك، لأن كل طير يغرد في غير سربه لا نشوة في تغريده، فعد يا دولة الرئيس إلى قاعدتك الأرثوذكسية وإلى جانب قياداتها الروحية ونمرها اللواء عصام أبو جمرا، وقِف بجسارة عرفناك تتحلى بها مطالباً بحقوقها، فالقائد قائد، متى يقف إلى جانب جنده محارباً معهم، لا حرباً عليهم.