غزة ــ قيس صفديارتبط العجوز التسعيني، عودة عدوان، بالكوفية منذ أن كان شاباً إبان ثورة عام 1936 ضد الانتداب الإنكليزي في فلسطين. كانت الكوفية حينذاك توحّد الفلسطينيين ولا تفرّقهم. الزمن لم يعبث بذاكرة عدوان الذي يتذكر جيداً، كيف لجأ الثوار الفلسطينيون لاستخدام الكوفية كلثام للتنكر أثناء مقاومتهم للاحتلال الإنكليزي، وقال: «طلب الثوار من الناس اعتمار الكوفية حتى باتت سمة غالبة، فلم يستطع الإنكليز تمييز الثوار عن غيرهم من السكان المدنيين، وأسهم هذا في حماية الثوار من الاغتيال والاعتقال». ظلت الكوفية في سنوات ما بعد ثورة عام 1936 حكراً على كبار السن من الفلسطينيين. غير أنها استعادت «شبابها» مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في ستينات القرن الماضي.
يرى أحمد موسى (63 عاماً) أن الكوفية الفلسطينية زادت انتشاراً وتعزّزت كرمز للكفاح الوطني مع انطلاقة الثورة الفلسطينية. وأسهم الزعيم الراحل ياسر عرفات في «تدويل» الكوفية، منذ أن اعتمرها في منتصف الستينات بطريقته المميزة التي تشبه «خريطة فلسطين التاريخية». وقال موسى «إن الفلسطينيين يرون في الكوفية صورة الختيار»، الذي حولها إلى رمز لفلسطين في كل مكان، بإصراره على التجوال بها «مرتدياً بدلته العسكرية التي لم تفارقه حتى وفاته في 11 نوفمبر 2004».
وانتشرت الكوفية بشكلها ولونها المعهود في أوساط الفلسطينيين، وخصوصاً «الفتحاويين» منهم، إبان الانتفاضة الكبرى (1987-1993)، للتخفّي خلال مقاومتهم. وحاولت مصانع النسيج مواكبة «التعصب» الناجم عن التنافس المحموم بين الفصائل والقوى الفلسطينية، التي ميّزت بين الكوفيات بواسطة ألوان شعارات الفصائل، لكن الكوفية التقليدية حافظت على مكانتها، ولم تزحزحها لا كوفيات خضراء ولا حمراء. وزاد إقبال الفتحاويين في غزة على اعتمار الكوفية عقب سيطرة «حماس» وهروب القوات الموالية لحركة «فتح». وبحسب الطالبة لبنى التي تلتف بالكوفية الثورية الأصلية، فإنها تريد أن تقول إن «فتح» باقية وستعود يوماً.
كثيرات من الجامعيات استبدلن وشاح الرأس التقليدي بالكوفية تعبيراً عن تمسكهن بانتمائهن لحركة «فتح». غير أن لبنى ترى أن طلاباً لا ينتمون لـ«فتح» اعتمروا الكوفية تعبيراً عن سخط «الفلسطينيين في غزة جراء ما تسبّب به انقلاب حماس على الشرعية» كما قالت.
لكن محمود خلف، يحس من ناحيته بحزن شديد لإقحام الكوفية في الخلاف والانقسام الفلسطينيين، وقال: «كوفيتنا أصبحت رمز توحّد الأحرار في العالم، بينما نحن نعمل على تقزيمها». ويفخر خلف بأن الكوفية الفلسطينية تحولت إلى «شعار أممي» بشهرة واسعة، وراية ترفرف حيثما وجد الظلم والاضطهاد والاحتلال في العالم.