مع اقتراب الشتاء يكثر الحديث عن داء الربو، وتكثر الأبحاث التي تُنشر حوله، يكفي الاطّلاع على مجلة طبية ــ بحثية في الآونة الأخيرة، حيث سنجد نتائج لعشرات الدراسات عن هذا المرض وأسبابه ونتائجه. المعروف أن حالات الشفاء التام من الربو تكاد تكون مستحيلة، إذا ما استثنينا طبعاً «ربو الطفولة»
غادة نجار
نشرت مجلة «دايلي ساينس» أخيراً نتائج بحث أجراه باحثون من جامعة «كورنيل» الأميركية، تحدثوا مجدداً عن إمكان وجود ارتباط بين الربو وسرطان الرئة، لكنهم أكدوا أن هذا الاستنتاج في حاجة إلى مزيد من الاعتبارات والدراسات قبل أن يجري تأكيده.
على أي حال، الربو هو داء التهابي مزمن يصيب المجاري التنفسية والرئتين في أي سن، ويؤدي في معظم الأحيان إلى تقلّص المجاري التنفسية وضيقها، مما يجعل «ضيق النفَس» والصفير عند الشهيق والزفير والإحساس بثقل في الصدر من أهم عوارضه الخارجية.
قد يحتاج المريض إثر نوبات الربو إلى الراحة، ولكنه في معظم الأحيان يحتاج إلى تناول الأدوية أو إلى علاج في المستشفى، يجري خلالها استخدام الأوكسيجين. وإذا أهمل بعض المرضى نوبات الربو الشديدة فإنها قد تودي بحياتهم.
عندما تتكرر نوبات الربو يصبح الجهاز التنفسي فائق الحساسية تجاه مجموعة من المحرضات الخارجية، ولا سيما الهواء البارد والغبار والروائح القوية على أنواعها والتلوث، الأمر الذي يُعرّض المريض لنوبات جديدة، قد تزداد قوةً في حال استمرار احتكاكه بهذه العوامل. وثمة مجموعة أخرى من العوامل التي قد تؤدي إلى النتيجة عينها، وهي التمارين الرياضية المرهقة والضغط النفسي والإرهاق والقلق.
حالات الشفاء التام من الربو تكاد تكون مستحيلة، إذا ما استثنينا طبعاً «ربو الطفولة» الذي تختفي عوارضه أحياناً في سن البلوغ.



تبدأ عوارض الربو عادة في سن الطفولة أو المراهقة، لكنها قد تتأخر لتظهر في سن متقدمة نسبياً. والأسباب المعروفة للإصابة بهذا الداء، تُلخص باستعداد جينيّ لدى البعض، ولا سيما الأطفال، للتحسس المفرط من مواد خارجية يطلق عليها ا لاختصاصيّون تسمية الـ allergen (مواد تثير الحساسية والالتهاب في المجاري التنفسية) الـ bronchi والـ bronchioles، وهي كثيرة وتختلف من شخص لآخر، ولكن يمكننا ذكر أكثرها شيوعاً مثل وبر وقشرة الحيوانات الأليفة والمواد الكيميائية الموجودة في بعض مراكز العمل أو حتى في المنازل، سواء كانت سائلاً أو غازاً أو مسحوقاً، والعفن والعثّ في المنازل الرطبة، وغبار الطلع النباتي، والغبار العادي. ومن العوامل التي تسهم في إطلاق عوارض الربو لدى الكبار، يمكن تعداد التدخين، والاستنشاق المتكرر لغبار الخشب وبعض المعادن، والتهابات تصيب الجهاز التنفسي كالتهاب الجيوب الأنفية والالتهابات الفيروسية وارتفاع الحموضة في المعدة.
رغم أن الصفير خلال التنفس من أكثر عوارض الربو شيوعاً، فإن صفير بعض المرضى لا يُسمع إلّا حين يستخدم الطبيب سمّاعته. وثمة عوارض متنوعة للربو تختلف من شخص لآخر، ولا سيما لدى الأطفال حيث قد يعاني الطفل قبل بدء النوبة آلاماً في الظهر والعنق، وفي حالات أخطر قد يعاني المصاب ازرقاق لون البشرة وارتباكاً. هذه الحالة تشير دائماً إلى عدم وصول الأوكسجين إلى الجسم، وهي تتطلّب نقل المريض إلى المستشفى على جناح السرعة.
تتنوّع الفحوص التي يجريها الاختصاصيون من أجل تحديد الإصابة بداء الربو، وهي تبدأ من مراقبة العوارض الخارجية وفحوص الدم والجلد، حيث قد تكون الإصابة ببعض الأمراض الجلدية كالاكزيما دليل استعداد للربو. الفحص الأهم يجري من خلال استخدام الـ spirometre، الذي يقيس كمية الهواء التي يستطيع الشخص إدخالها إلى رئتيه عند الشهيق.
العلاج الذي يعتمده الأطباء لمرضى الربو يهدف إلى إطالة الفترات الزمنية الفاصلة بين النوبات، وإلى المحافظة على أداء الرئتين في حالة هي الأقرب إلى الطبيعية، وإلى أن يكون المصاب قادراً على الاستمرار في حياته الطبيعية في جميع المجالات، حتى الرياضية منها. وتتنوع العلاجات المعتمدة من أجل بلوغ هذه الأهداف، وذلك بسبب طبيعة المرض واختلاف المسببات له بين شخص وآخر. وهناك نوعان من العلاجات، الأول يعتمد التأثير السريع ويُستخدم من أجل ضبط العوارض الآنيّة، ولا سيما خلال نوبات الربو، والثاني يعتمد التأثير الطويل المدى بهدف ضبط تطوّر الربو، والحد من الأذى الذي يمكن أن يُلحقه بالجهاز التنفسي لدى المريض.
يجدر بالمصاب بالربو وبالمحيطين به اعتماد بعض الإجراءات الوقائية التي تساعد على التخفيف من تكرار النوبات، ومن قوّتها. ومن هذه الإجراءات محاولة تفادي المشاركة في تنظيف المنزل، أو ارتداء القناع الواقي خلال عملية التنظيف، وتفادي الاحتكاك أو المكوث قرب حيوانات أليفة، والابتعاد عن استخدام العطور ما أمكن، واستبدال الملابس الصوفية بأخرى قطنية، واستخدام مكيفات الهواء بدل أساليب التبريد والتدفئة الأخرى.