لا يكاد يمر يوم من دون حادث سير على أوتوستراد النبطية ـــــ الزهراني، الذي يشطر بلدة دير الزهراني إلى نصفين، حاصداً زهاء 80 قتيلاً ومئات الجرحى منذ إنشائه؛ حتى صار أبناء المنطقة ينعتونه بـ«أوتوستراد الموت»
دير الزهراني ــ كامل جابر
لم يصدق علي علوش، ابن بلدة دير الزهراني الجنوبية، أن ابنته مريم (14 عاماً) نجت من الموت «بأعجوبة، وخاصة بعدما شاهدتُ أثر اصطدام رأسها بزجاج السيارة التي دهستها. حضرت إلى المستشفى وأنا غير مصدق أنها لا تزال على قيد الحياة». كان علوش قبل أيام يتحدّث لـ«الأخبار» في إحدى غرف المستشفى الحكومي في النبطية، حيث ترقد ابنته التي دهستها سيارة في دير الزهراني، بينما كانت تحاول قطع الطريق من الجهة الجنوبية إلى الشمالية بغية الصلاة في الجامع.
يشير أهالي دير الزهراني (قضاء الزهراني) إلى أن المشكلة بدأت بعد شق أوتوستراد صيدا ــ النبطية عام 1968. في ذلك الحين، لم يعترض أهالي البلدة على أن يشق الأوتوستراد بلدتهم نصفين. وحتى اليوم ـــــ يقول علوش ـــــ سقط أكثر من مئة قتيل و300 جريح ومعوق من البلدة وخارجها. «لم يلتفت أحد إلينا لمساعدتنا في حل هذه الأزمة المستعصية. إننا لا نرى المسؤولين أو نسمع وعودهم إلا في المواسم الانتخابية. وكلما انتخبنا مجلساً بلدياً نتوسل منه خيراً وحلولاً، بعد أن يحمل القضية على عاتقه، سرعان ما يُحَلّ ويسلم أمرنا لمحافظ النبطية». ويؤكد أن هناك «دراسة أعدتها الهيئة الإيرانية لبناء جسرين للمشاة لا تتجاوز تكلفة الواحد عشرين ألف دولار أميركي، والموضوع يحتاج إلى ملاحقة المحافظ الذي لم يولِ الأمر الجدية المطلوبة».
يضيف: «قصدنا رئيس مجلس النواب، نبيه بري، في أعقاب إنشاء مجلس الجنوب المدرسة الجديدة في القاطع الثاني. ولأن أولادنا مضطرون لعبور الطريق يومياً، قاصدين المدرسة، طلبنا مساعدته لدى وزارة الأشغال العامة في وضع حلّ لهذه المشكلة. ووعدنا دولته، قبل توسيع الأوتوستراد أواخر التسعينيات، بإنشاء معابر للمشاة فوق الطريق أو تحتها. إلا أن وعوده ظلّت وعوداً. وها هي الضحايا تتساقط الواحدة تلو الأخرى من دون مجير».
المشكلة بدأت إذاً قبل 40 عاماً. كان الفتى إبراهيم علي قاسم (12 عاماً) فاتحة ضحايا أبناء دير الزهراني، إذ سقط دهساً عام 1969، حينما كان يحاول اجتياز الشارع الكبير من جهة إلى جهة. الحاجة زينب دياب تسقط دهساً عام 1973، ثم محمد طرابلسي «أبو رباح» عام 1974؛ ثم كرّت السبحة مع انتشار نصف البلدة في الجهة الجنوبية. والقتلى، مسنون من رجال ونساء، شبان وصبايا، أطفال من مختلف الأعمار. ومَن سلم من الموت، أصيب بإعاقة ما، أو بجرح نفسي لا يكاد يندمل، فضلاً عمّن سقطوا من خارج البلدة، في حوادث سير متنوعة بينما كانوا يعبرون الطريق القاتلة.
يفوق تعداد سكان دير الزهراني عشرة آلاف نسمة، «وهم يتوزعون على الأحياء الواقعة على جانبي أوتوستراد الموت، وقد أدى ذلك إلى انقسام العائلة الواحدة بعد زواج أفرادها بين هذين الشطرين. ويدفع التواصل الأسري والاجتماعي وانتشار المؤسسات إلى انتقالهم في معظم الأحيان سيراً على الأقدام من جهة إلى أخرى، ملزمين عبور هذا الشارع، حيث يكون الخطر أو الموت متربصاً»، يقول عفيف زواوي.
عام 1986، بعد 3 أيام على وفاة والدهما علي بدران، سقطت فاطمة بدران (40 عاماً) وشقيقتها زينب (38 عاماً) دهساً، بينما كانتا تمشيان على رصيف الطريق. «كانت صدمة كبيرة للعائلة، وخصوصاً لبيت خالتي فاطمة الذي فقد حضن الأم والجد والخالة في 3 أيام. وقبلها وبعدها لا يمر عام من دون العديد من الضحايا والمصابين»، تقول سلوى بدران، وتسأل الوزارات المعنية عن الدور الذي أدته «للحد من هذه المجزرة المفتوحة»، وتسأل الأمن الداخلي: «لماذا تعبر السيارات ألف مرة في اليوم بعكس السير على مرأى من الدوريات التي لا تحرك ساكناً لقمع المخالفين أو منعهم؟».
يؤكد رئيس مكاتب السوق، النقابي حسين غندور، أن جملة من المخالفات تُسهم في ازدياد الخطر على الأوتوستراد، منها: «أن التراجعات للمحالّ والمؤسسات التجارية التي نشأت على جانبي الطريق بطول نحو خمسة كيلومترات معظمها غير قانوني. ثم غياب لافتات وشارات مرور وتحذير وتنبيه بالعدد الكافي والشكل المطلوب؛ فضلاً عن السرعة الجنونية التي لا تراعي العبور في وسط بلدة مأهولة على جانبي الطريق. أما الخطر الأكبر فهو من الفتحات العشوائية ومسالك الالتفاف التي تكون حوادثها في معظم الأوقات قاتلة».


أين لافتات تحديد السرعة؟

من يعبر دير الزهراني على امتداد نحو 5 كيلومترات، يلاحظ وجود عدد كبير من المحالّ والمؤسسات التجارية والصناعية، والكم الهائل من لافتات «التبجيل» و«التهليل» السياسية والحزبية، واللوحات الإعلانية التي تستقبله وتودعه، وتكاد أحياناً تسلب الألباب.
لكن لا أحد يمكنه أن يلاحظ وجود لوحة «رفع عتب» تحدد للعابر السرعة المطلوبة، حتى لا يقع الخطر، أو على الأقل لائحة تعدد أسماء ضحايا الطريق بانتظار أن تتحرك مبادرة الدولة أو في الحد الأدنى، المبادرة الأهلية، حتى يتوقف هذا السجل الحافل بالموت عند هذا الحد.