إبراهيم الأمينمنذ التزامه الكتابة الدورية في «الأخبار»، يثير الكاتب الشجاع والرائع الزميل أسعد أبو خليل سجالاً من نوع خاص. والحقيقة أن نقاشات كثيرة دارت حول ما يكتبه، لكن الثابت الوحيد، الذي يميّزه، أنه ليس مثلنا، أي إنه ليس صحافياً أو إعلامياً لديه التزامات، لا بالمعنى السياسي، ولا بالمعنى المهني ـــــ التقليدي، ولا حتى بالمعنى الوظيفي، وهو حرٌّ إلى حدود يصعب التعرّف إليها في إعلامنا وعالمنا العربي. ولذلك، فهو حرّ من كل قيد يكبّل ألسنتنا وأيدينا وأقلامنا، بحجّة أو بغيرها، فيقوده هذا إلى ما يختصره الجمهور المعجب به بالقول «إنه يسمّي الأشياء بأسمائها».
والاعتراضات التي قيلت عمّا يكتبه الأكاديمي أبو خليل يمكن إدراجها في سياق واحد، وهو أنه لم يحصل أن فتحت الصحافة العربية الباب أمام سجال في كل شيء، بل اخترعت وهماً اسمه «التقاليد المهنية»، وجعلته كرّاساً ليس في يد أحد نسخة منه، بل في عقل مَن يريد أن يرتدي القفّازات في يديه ورجليه وما بقي منها على عينيه ويقفل فمه إلا عن كل كلام معسول يُراد منه شراء صمت الآخر. وهكذا، تحوّلت الصحافة العربية، خلال عقود طويلة، إلى مكان للتكاذب والابتسامات الصفراء، بينما يرتفع السباب من خلف الأبواب، مرفقاً بكل أنواع التنكيل الشخصي والعام...
االزميل داوود الشريان، العائد إلى «الحياة» بعد هجرة طويلة، تطوّع للرد من خلال القول إن ما يكتبه أسعد أبو خليل نوع من الردح والشتيمة، وإنه تخلّى عن وقاره، ولمّح في نهاية مقالته المنشورة الأحد الماضي، إلى «فتح الملفات الشخصية».. وغيرها، كأنه يقول، لأسعد أو لـ«الأخبار».. كأنه يوحي لنا، وهذا ما فهمناه نحن، وهذا ما فهمه أصدقاء لنا، أنه يملك ضدنا ما يهدّد سمعتنا أو صدقيتنا. وفي هذه الحالة، نحن نشجّع الزميل الشريان، ومَن يدعمه في وجهة نظره هذه، على المسارعة إلى كشف هذه الملفات، ونحثّه أيضاً على المسارعة إلى تقديمها للرأي العام، أو للجهات القضائية المختصّة، ونحن له من الشاكرين.
أما حكاية أنّ الصحافيين يجب أن لا يتناولوا الصحافيين الآخرين، أو أن مؤسسة إعلامية لا يحق لها انتقاد وسيلة إعلامية أخرى، فهذا تقليد يعكس صورة الشيطان التي تسكن قسماً كبيراً من الصحافيين العرب، واللبنانيين على وجه الخصوص، وهو عرفٌ لن نتبنّاه في «الأخبار»، ولا نريد الالتزام به لأنه وسيلة مبتدعة للتكاذب والتستّر المتبادل على جرائم الصمت والذل والرشوة.
ترى، هل بات ممنوعاً على زياد الرحباني أن يقول رأياً في دومنيك فرفورة، لأنّ في ذلك انتقاداً من زميل لزميل؟ أو هل بات على أيّ طبيب السكوت عن أخطاء قاتلة أو استغلال يقوم به طبيب آخر، فقط لأنهما زميلان ينتميان إلى النقابة نفسها؟ وبالتالي، هل على النائب أو الوزير أو السياسي، هذا أو ذاك، الامتناع عن انتقاد نائب آخر، أو وزير آخر، أو سياسي آخر، ما داموا أنداداً في الحياة العامة؟
ثم هل حاول الزميل الشريان، على وجه الخصوص، التدقيق قليلاً في أحوال صحافتنا العربية الموقّرة؟ هل تساءل لماذا لا تبيع بعض الجرائد أكثر من ألف نسخة في بيروت، وأكثر منها بقليل في دمشق، وفي القاهرة وعمان وبقية العواصم؟ هل تساءل لماذا تبيع كل صحافة بيروت اليوم أقل من خمسين ألف نسخة يومياً؟ هل الأمر مرتبط فقط بالمنافسة مع الإذاعة والتلفزيون أو الإنترنت؟ ألا يوجد تلفزيون وإنترنت وإذاعة في إسرائيل، أو في فرنسا، أو في بريطانيا أو الولايات المتحدة أو الصين؟
ألم ينتبه إلى أن الصحافة في عالمنا العربي، وخصوصاً تلك االتي تموّلها الحكومات والسلاطين، باتت بلا صدقية وبلا تأثير، وأنها أكثر فساداً من الحكّام والسياسيين؟ ألم ينتبه صديقنا، الذي جرّب الإعلام على اختلافه، إلى أنّ لاعبي كرة القدم أكثر احتراماً وهم ينتقلون من نادٍ إلى آخر، فلا يخسرون قسماً من عقولهم، ولا من كرامتهم لقاء ما يزيد من مال؟ ألم يدرك بعد أن الصحافي الذي يمنح نفسه حق التعرّض للسياسيين وللأحزاب وللشخصيات على اختلافها، ليس أرفع شأناً من كل هؤلاء، وأنّه يمثّل في حالتنا الراهنة مرآة قسم من السياسيين ويشتم بقلم الصحافيين ولسانهم قسماً آخر من السياسيين؟
بالله عليك، يا زميلنا داوود، وأنت الذي تناولت جريدة «الأخبار» دون سواها تكراراً، دلّني على معجزة أخلاقية في هذا العالم؟ ثم تريدنا أن نلتزم عرفاً أخرق، كتبه حمقى يريدون إقناع الجمهور بأننا طبقة الأنقياء، والبقية هم الأشرار.
مرحباً بالملفات الشخصية، ومرحباً بالمزيد من أسعد أبو خليل.