يُبرز عمر وثيقة تثبت أنه اشترى البندقيتين للتو. وثيقة تسمح له، أمام الحواجز الأمنية، بالتنقّل بهما 24 ساعة. أما الأسبوع المقبل، فـ«بيفرجها الله». يحاول عمر اليوم وأقرانه من محبّي الصيد، اللحاق بطيور المطوق التي بدأت هجرتها الموسمية عبر لبنان. هجرة يقطعها الصيادون في سهل بلدة إيعات. وعلى الرغم من قرار المنع، السّاري المفعول منذ عام 2001، فإن القوى الأمنية تغض النظر
رامح حمية وعلي يزبك
لا يمكن القاطن في أيّ من قرى منطقة البقاع أن يتابع نومه بعد الفجر من دون أن يتناول مخدة أخرى ليضعها فوق أذنيه، ويحجب ذلك الصوت الذي قد يوقظ «من به صمم».
فإطلاق النار في تلك الساعة كثيف لدرجة أنه يستحيل معاودة النوم من دون التأكد أنه ليس في الأمر ما يقلق. لكن في الأمر ما يقلق. ليس لأنها «دبكت» في البقاع في غفلة عن المصالحات، بل لأنه ببساطة موسم المطوق. «المطوق متل التراب، والصيّادي أكتر، والكل بدو يقوص».
هكذا يصف أحد الصيادين مشهد مئات الصيادين في البقاع، يسرحون منذ الفجر في السهول والحقول لقنص الطيور المهاجرة أثناء مرورها فوق سهل البقاع.
فمع فجر كل يوم، تعج سهول القرى والبلدات «بجحافل» الصيادين، سواء المقيمون منهم أو الوافدون من سائر المناطق اللبنانية، غير آبهين بالعوائق والمصاعب التي تواجه هوايتهم المفضّلة. أما «عين» الصيادين فعلى الطير الذي أعلن بقدومه المبكر والكثيف هذا العام بدء فصل الشتاء.
فهذه الطيور تهاجر، خلال هذه الفترة من السنة، من أوروبا وتركيا إلى مصر، عبر الممر الدافئ والمليء بالغذاء الوافر في هذا الموسم: من بذور التبغ إلى المقتى إلى القمح.
وعلى الرغم من الخطة التي تنفذها القوى الأمنية منذ أكثر من أسبوع في البقاع، ها هي سهول بعلبك الهرمل الشاسعة تضج بمئات الصيادين الذين ينتظرون هذا الوقت من السنة «بفارغ الصبر»، ليمارسوا الصيد، كهواية أو رحلة استجمام أو حتى للسعي من أجل وجبة غذائية مميزة من جهة، وليخلقوا حركة اقتصادية في المنطقة من جهة ثانية.
ويعتقد هاغوب (34 سنة) الذي بدت غلته وفيرة مع 172 مطوقة تتدلى من جعبته، أنه لن يختم يومه مع رفاقه بأقل من ألف مطوقة.
وعندما يقال له إن ذلك يعدّ بمثابة «إبادة» بحق طيور المطوق المهاجرة، تراه يدافع بالقول إن صيد المطوق «يشبع رغبة الصياد» بإطلاق النار من جهة، ويؤمّن «الغلة الكبيرة» للصيد من جهة ثانية.
فصيد المطوق يعدّ صيد «قنص» لا صيد «ربط»، وهو من الهوايات المفضلة لديه التي ينتظرها سنوياً «بشغف كبير». أما عن خوفه من الملاحقة الأمنية، وخصوصاً أن الصيد ممنوع، فيقول ساخراً إنه لم يواجه في طريقه إلى البقاع أي عائق أمني، مستطرداً بالقول: «هلق كل هالصيادي وأنا بدي إلتزم بالمنع».
بدوره عدنان، الذي لم تمنعه سني عمره التي تجاوزت العقود الستة ونظارته الطبية، من منافسة الشباب من حوله بإسقاط المطوق، فيرى أن موسم الصيد لا يحدده قرار بل «وقت اللي بيجي المطوق بيبلش الموسم»، ولفت إلى أنه مدمن صيد منذ صغره «الصيد بالنسبة إلي الوسيلة الوحيدة للترفيه، التي أتقنها»، منتقداً المنع بقوله «الغيارى على بيئة لبنان يجب أن يمعنوا النظر في مجرى نهر الليطاني ورائحته، وفي الكسارات التي أكلت الجبال، قبل أن يجري التفكير في منع صيد طيور مهاجرة تمر في هذا الوقت من السنة ولمدة محددة فقط».
من جهة ثانية، أكد صاحب أحد محالّ بيع الخرطوش في البقاع أن «ثمة إقبالاً كثيفاً ولافتاً على الصيد هذا العام، والنسبة تقريباً تفوق الستين في المئة إذا ما قورنت بالعام الماضي»، ولفت إلى أنه يبيع أسبوعياً ما يقارب ثلاثين صندوقاً من الخرطوش، وأن الضغط عليه يكون نهاية أيام الأسبوع بسبب الوافدين من بيروت والعديد من المناطق اللبنانية، ويعزو سبب الإقبال الكثيف على الصيد إلى وفرة المطوق هذا العام لأنه في «العام الماضي كان قليلاً جداً»، وأضاف «إن الصيادين يخلقون حركة شراء في المنطقة بالنظر إلى احتياجاتهم التي يسعون إلى تأمينها فيها».
وفي منطقة بعلبك، وعلى الرغم من قرار المنع، السّاري المفعول منذ عام 2001، فإنّ القوى الأمنية تغض النظر عن مئات الصيادين، «أما سلاح الصيد، فهي لا تتساهل معه»، كما يقول أبو محمود، الذي اصطحب معه أفراد عائلته لقضاء يوم طويل يمارس خلاله هوايته.
يشرح قائلاً: «لقد استصدرت رخصة صيد منذ السبعينيات. وبالرغم من أن صلاحيتها قد انتهت، فإنني لا أزال أستخدمها للمرور على الحواجز الأمنية»، متمنّياً صدور مرسوم تنظيم حمل سلاح الصيد سريعاً، ومعبّراً عن «استعداده لدفع كامل الرسوم شرط أن يصطاد»، لأنه يعشق ملاحقة الطيور. وأبو محمود صياد لا يمانع تنظيم الصّيد مع تحديد الأمكنة، لأن ذلك يخلّصه «من الحرج الذي يواجهنا أحياناً من بعض المزارعين، الذين نطأ أحياناً أراضيهم ونحن نصطاد».
«فوضى عارمة». هكذا يصف الناشط البيئي، محمد الجمال، ما يحدث في سهل البقاع، فـ«كل الأماكن مشاعة لاصطياد كل ما يطير في الفضاء أو يدبّ على الأرض، من دون أي رقيب أو أية ضوابط»، كما يقول، لافتاً إلى أن «ما يجري في الليل أفظع، حيث يضع الصيادون أشجاراً يابسة على سطوح المنازل وآلات تردّد أصوات طير السمن، الذي حالما يحطّ على هذه الأشجار للمبيت، يجري اصطياده بالآلاف». أدّى الصيد الجائر، بحسب الجمال، «إلى غياب أنواع كثيرة من العصافير والطيور المقيمة، لأن الصياد لا يفرّق بين عصفور وآخر وهو يصطاد». أما الحل، فهو لا يحتمل المواربة، يجب «تحديد أمكنة بعينها يسمح فيها بالصيد، وفق شروط صارمة، وفي أوقات محددة من السنة».