لا يمرّ أسبوع دون الحديث عن مدارس رسمية تفتقر إلى مقوّمات التعليم الأساسية من نقص في الأساتذة أو التجهيزات. واليوم يبدو أنّ مدرسة بيت ــ ملّات العكارية مرشحة للانضمام إلى مثيلاتها في مناطق أخرى، والإقفال لعدم حضور أيّ تلميذ إليها منذ بداية العام الدراسي الجاري
عكار ـ سناء الخوري
لم يحضر إلى مدرسة بيت ـــ ملّات الرسميّة المختلطة هذا العام إلا ثلاثة تلاميذ، لكنّهم شعروا بالخوف من الصفوف الفارغة ومن الملعب الذي يتّسع لأكثر منهم بكثير فتركوها. ليست هذه هي السنة الأولى التي تطرح فيها الأسئلة عن مصير هذه المدرسة. فمنذ التسعينيات، والمدرسة تعاني من تراجع حادّ في مستواها وعدد التلاميذ المسجّلين الذي تراوح بين مئة في منتصف التسعينيات ووصل إلى سبعة فقط في 1998. تتألف الهيئة التعليمية من ثلاث معلمات وأستاذ واحد، إضافة إلى المدير ومسؤول عن كشاف التربية الوطنية، وقد انشغل هؤلاء في الأسابيع الماضية بالبحث عن تلاميذ دون جدوى.
هكذا، أصبح موضوع إقفال المدرسة مطروحاً على نار حامية. ففي الوقت الذي دخلت فيه المدارس الأخرى مرحلة إجراء امتحانات السعي الأول، لم يعطِ أساتذة المدرسة حتى اليوم أيّ حصة.
هناك الكثير من المدارس الرسمية المتعثرة في منطقة عكار، لكنّ الحديث عن مدرسة بيت ـــ ملّات يحمل خصوصية معينة لكون المدرسة عاشت في الستينيات والسبعينيات مرحلة ذهبية. فقد بنت جمعية الإصلاح المدرسة منتصف الأربعينيات بعدما جمع أعضاؤها تبرّعات من أبناء القرية المهاجرين في المكسيك وقدّموا البناء هبة للدولة.
تَعلّم في هذه المدرسة كثيرون ممّن أصبحوا اليوم قضاة وأطباء، إذ كانت تستقطب أبناء المنطقة المجاورة من كلّ الطوائف. في تلك الفترة كان مدير المدرسة سالم عبد المسيح من الشخصيّات التربوية الفذّة، إذ يتذكّره أبناء القرية كمن يتذكّرون شخصية أسطورية، فهو صاحب الفضل في ازدهار المدرسة، حتى إنّه أشرك طلابه بامتحانات الشهادة المتوسطة الفرنسية وكانت نتائج النجاح مئة في المئة.
أثناء الحرب اللبنانية، انقلب وضع المدرسة إثر الأحداث التي شهدتها القرية وتهجير أهاليها. ولكن ما الذي أوصل المدرسة إلى حدود الإقفال، فبيت ـــ ملّات ليست القرية الوحيدة التي هجّرت الحرب سكانها؟
تعتقد ليلى الحاج، التي درست في المدرسة وتعلّم فيها اليوم أنّ «المدرسة إذا أقفلت اليوم فلن تفتح أبوابها من جديد». يدعم نظرة ليلى المتشائمة تفضيل أهالي القرى المجاورة تسجيل أبنائهم في المدارس الرسمية والخاصة الموجودة داخل قراهم وهو أمر يخضع لبعض الاعتبارات الطائفية التي لا يمكن إغفالها رغم مرارتها. أمّا أهالي بيت ـــ ملّات الباقون فيها، فيسجّلون أولادهم في مدرسة راهبات العائلة المقدسة الخاصة.
للبعض رأي آخر، إذ يرى لطيف نصّار، مدير مدرسة بزبينا الرسمية، التي تعدّ من أنجح المدارس الرسمية في المنطقة، أنّ الإدارة تؤدي دوراً رئيسياً في نجاح المدرسة الرسمية، لكنّه لا يغفل المردود السلبي الذي يسبّبه الترخيص المفرط للمدارس الخاصة.
مدارس خاصة، اعتبارات طائفية، سوء إدارة. كل هذه التفسيرات لا تبرّر حقيقة تدهور مستوى المدرسة بهذا الشكل. المضحك المبكي أنّ الهيئة التعليمية حاولت بشتّى الوسائل إنجاح العمل في هذه المدرسة في السنوات الماضية، رغم عدد التلاميذ القليل.
تروي ديانا مرعي، إحدى المدرّسات مغامراتها مع التلاميذ الذين كانوا يأتون من عائلات معدمة فيشتري لهم الأساتذة الدفاتر والأقلام. حاول الأساتذة إذاً صنع مدرسة من الممكن، لكنّهم وصلوا هذه السنة إلى البحث عن تلاميذ، أو عن مدارس أخرى ينتقلون إليها إذا أقفلت المدرسة. مثال عن مئات المدارس الرسمية في لبنان التي عطّلتها الحرب، وتقفلها اليوم السياسات التربوية الفاشلة.


الترميم مخرج لعدم الإقفال

نفى رئيس المنطقة التربوية في الشمال حسام الدين شحادة أن تكون المنطقة حتى الآن قد تبلّغت من مدير المدرسة أي تفاصيل عن الوضع الحالي، علماً «بأننا لدينا فكرة عن تعثر المدرسة». وأوضح شحادة أنّ هذا الواقع إذا كان صحيحاً يقتضي نقل الأساتذة إلى مدرسة أخرى مع إبقاء المدير لمدة سنة. وفي عجقة الحديث الآن عن مستقبل المدرسة يرشح كلام عن ترميمها، بتبرعات من جهات سياسية للالتفاف على إقفالها نهائياً. في المقابل، من المتوقّع أن يهدم سور المدرسة، وتقتلع أشجار الصفصاف المزروعة داخله، في إطار مشروع توسيع وترميم طريق الجومة الذي تنفّذه شركة «سوفيل» للتعهدات. بعيداً عن هموم الترميم، يذكر أنّ هذه المدرسة من بين 60 مدرسة رسمية أخرى متعثّرة في منطقة عكار.