لماذا تكثر شكوانا ممن يسيطر على «الريموت كونترول»؟ ما الذي تمثله بالنسبة إلينا هذه الآلة التي تسمح بالتحكم عن بعد بالتلفزيون؟ السؤال الأهم يكمن في استسلام الأولاد لخيارات الأهل المتعلقة بأمور جوهرية في حياتهم، كالخيار المهني، وخيار الأصدقاء، والثياب... لكنهم لا يستسلمون لخيار الأهل «التلفزيوني». هل القضية مرتبطة بصراع الأجيال؟ أم تتعلق بسطوة التلفزيون، وسيلة الترفيه وبث المعلومات؟
نيفين حمادة
«أخبار أخبار، سياسة سياسة، مللنا البابا» هذا لسان حال أنور عبد النور (15عاماً) الذي يشكو دائماً من تحكم والده بالتلفزيون، ما يحرمه من متابعة برامجه المفضلة، وعندما يكون الأب خارج المنزل تأخد الأم «دفة الحكم» فتجبره على متابعة المسلسلات العربية، وترفض احتجاجاته قائلة «هيا إلى الدرس». والد أنور يرفض شراء تلفزيون آخر بسبب «الدش وما يبثه»، فكل شيء يجب أن يمر تحت أنظاره.
إيلين (3 سنوات) تتحكم تلفزيونياً بعائلة حمود المؤلفة من 4 أولاد وأهلهم، فالتلفزيون يُدار دائماً على القنوات المخصصة للأطفال، الكل يرضخ لها بسبب بكائها «ويصلّون كي تنام باكراً». الخلافات حادة أيضاً في منزل أبو سمير حمصي، فسمير (12 عاماً) يريد مشاهدة برامجه الأجنبية، وأحمد (4 أعوام) لا يقرأ سطور الترجمة ولا يفهم ما يُقال، فيبدأ بالبكاء، ويعلو صوت شقيقتهما ريتا (7 أعوام) التي تطالب دائماً بحقها في اختيار برامجها، ويزداد «الطين بلة» مع وصول الأب إلى البيت لأن تحكّمه بالسهرات التلفزيونية دائم «وخاصة أنه لا يثبت على قناة ولا يعجبه أي برنامج» وفق ما تشكو زوجته.
الدكتور وفيق إبراهيم، الأستاذ في العلوم الاجتماعية، يقول إن رغبة التحكم بالريموت كونترول، وبالتالي اختيار البرامج التلفزيونية وفرضها على باقي أفراد العائلة، «شكل من أشكال حب السيطرة والتحكم الذكوريين في المنزل الشرقي، وهذا السلوك انعكاس لسيطرة الممول والمسؤول عن الأسرة»، إذاً آلة التحكم التلفزيوني تجعل الممسك بها يشعر بالقوة ويصير قادراً على التمتع بمشاهدة برامجه المفضلة. ويضيف إبراهيم أن التحكم بالريموت كونترول يعني التحكم بما يشاهده الآخرون، أي بأذواقهم وبالمعلومات التي يتلقونها، وهذا ما يكرس صراع الأجيال، وهو صراع ثقافي. ويذكر إبراهيم أنه مع غياب أو انشغال صاحب السلطة الأولى في العائلة، يأخذ مكانه من يملك سلطة أدنى فيتحكم بخيارات الآخرين.
أستاذة العلوم الاجتماعية الدكتورة رجاء مكي، الاختصاصية لها نظرة أخرى، فهي أكدت تراجع سطوة صورة الأب، وقد بدأت «المرجعية الأسرية» تتغير فـ«الأب والأم لا يسيطران فعلياً على تنظيم أوقات الأولاد والبرامج التلفزيونية التي يجب أن يتابعها صغارهم».
لماذا يمثّل تحكم أحدهم بالريموت كونترول إزعاجاً لعائلته؟
يلفت إبراهيم إلى أن التلفزيون هو العالم السحري للأطفال والمراهقين، «إنه العالم الافتراضي الذي يتمنونه ويحققون فيه أحلامهم ورغباتهم، لذا لا يتنازلون عن حقهم بمشاهدته واختيار البرامج التي تناسب رغباتهم وأهواءهم»، وفيما يتحكم الأهل بلباس أبنائهم ومأكلهم وكل تفاصيل حياتهم ومستقبلهم، ويسلّم الأولاد بالأمر، إلاّ أنهم لا يتنازلون عن حقهم في اختيار برامجهم التلفزيونية. فقد تحوّل التلفزيون إلى وسيلة الترفيه المعتمدة في بلادنا، أي الوسيلة الوحيدة التي تسمح بهروب خيالنا من الواقع المعيش بالنسبة للصغار والكبار.
يميل الأبوان أحياناً إلى التنازل عن «الريموت» لمصلحة الأولاد الصغار، وتشرح مكي الأمر بأننا «في مجتمع يعتمد طريقة التربية الريعية، ويعمد الأهل بفعل «نق» الأولاد وبكائهم إلى التسليم بطلباتهم، فالأولاد لا يعترفون إلاّ بسلطة ملذاتهم» لذا تدعو مكي إلى «رقابة بيتية على القنوات التي تدخل المنزل»، لكن أستاذة علم الاجتماع تتحدث عن رقابة «لا تكون خانقة» بل تندرج في إطار مواكبة الأهل لأولادهم في كل أمور الحياة، ويجب أن ترتكز هذه الرقابة على «علاقة واضحة وصريحة مع الأولاد تتبع تطورهم الذاتي والتطور التكنولوجي المحيط بهم».
توجه أصابع الاتهام إلى التلفزيون كمانع للتواصل بين الأهل والأولاد، لكن مكي تقول «الشرخ قائم في العائلات حالياً، وما التحكم بالتلفزيون سوى أحد العوامل التي تفجر الصراع، وإذا عصفت المشاكل بحياة زوجين يكون التلفزيون أحد أسباب تفاقمها».
يقول التربوي الدكتور فوزي أيوب إن اختلاف الأذواق قد يبرر وجود شاشتين في منزل واحد، لكن الأمر «مرهون بكيفية استعمال التلفزيون الرديف ونوعية البرامج المعروضة وتوقيتها». وأكد أنه يجب أن تكون مشاهدة التلفاز والتحكم ببرامجه «خاضعين لنظام سير في المنزل، يُحدده الأهل وإن لقي احتجاجاً من الأولاد».


نظام المُشاهدة

تنشأ الخلافات بين أبناء الأسرة الواحدة بفعل اختلاف الأذواق وفروقات السن، وقد يكون العراك سيد الموقف، والهدف منه الاستيلاء على آلة التحكم عن بعد، ويدعو أيوب إلى حل هذه المشكلة باعتماد نظام الدور، وطالب الأهل بأن يعوا أن عدم الانتظام بمشاهدة التلفزيون أمر له انعكاسات على الأداء الدراسي للأولاد، وعلى صحتهم، ويسيء للنظام. وشدد على ألا ينام الولد فور انتهائه من مشاهدة التلفزيون، «لأنه سيفكر بآخر انطباع أو صورة شاهدها، وهذا ما يؤثر على جهده الدراسي والعقلي في اليوم التالي». أخيراً يؤكد أيوب «يجب أن ننظم علاقتنا مع وسائل الإعلام بطريقة إيجابية، فالتلفزيون يساعد على إطلاق الخيال الفردي» ولكنه قد يكون عاملاً مدمراً للأوقات التي تجمع أفراد الأسرة