هل يُمكن تقليص التغطية الإخبارية لتجربة دخول تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة إلى الدول العربية وتفاعلها مع مجتمعاتها وبناها وشرائحها وثقافاتها وذائقتها، بالتركيز على أخبار الشركات؟ ماذا عن المصالح الأساسية للجمهور، وكيف تُغطى إخبارياً؟
غسان رزق
كيف يُمكن إبراز العلاقة المتشابكة التي تصل مجتمعات متخلفة وعالمثالثية، مثل المجتمعات العربية، بتكنولوجيا تُكرّس تبعيتها للغرب، كما تزيد في تكريسها مصدراً لأرباح لا تصلها يد القوانين السارية عربياً، وبالتالي لا أحد يعرف شيئاً عنها سوى... الشركات الغربية! الأرجح أن هذه الأسئلة وغيرها تُلحّ بقوة عند النظر إلى تجربة «البوابة العربية للأخبار التقنية» Arabic Information Technology News (موقع البوابة على الإنترنت aitnews.com) مع دخولها عامها الثالث أخيراً، وهو موقع يكرّس للمعلوماتية والاتصالات المتقدمة ومجرياتها عربياً بوابة إلكترونية. وبحسب ما تعلنه تلك البوابة الإلكترونية، فقد نشرت 8675 خبراً متنوّعاً تشمل الكومبيوتر، الإنترنت، أمن المعلومات وحماية الأجهزة والمواقع، الهواتف المحمولة، وبرامج الحاسوب والخلوي، التطبيقات الرقمية، نُظُم المصدر المفتوح، الألعاب الإلكترونية، والطابعات والماسحات الضوئية والمشغّلات الموسيقية والكاميرات الرقمية، فضلاً عن العديد من الأجهزة المتنوعة الأخرى. ويُذكر أنها أضافت في سنتها الثالثة قسماً للدراسات والتقارير المتخصصة، وغالبيتها العظمى مستقاة من الشركات الكبرى أيضاً! وظهر أيضاً قسم باسم «محاور التقنية»، يضم محاور «أخبار الشركات» (...) و«شارك برأيك» و «مقالات متخصصة» و«مقابلات خاصة» و«تحت الضوء». وفي هذا القسم، تكفي المقارنة بين صيغة الجمع في «أخبار الشركات»، حيث تظهر تلك المؤسسات كتلة متراصّة في موضع واحد لغوياً، ومقابلها يبدو الجمهور مبعثراً ومُعبّراً عنه بصيغة الواحد المنفرد («شارك برأيك») الذي يقتصر دوره على مجرد الإدلاء بالرأي! وغني عن القول إن قسم «مقابلات خاصة» يقتصر حصراً على الشركات ومسؤوليها ومديريها! وتذكيراً، فقد نالت تلك البوابة الجائزة البرونزية في مسابقة «أفضل موقع في الإمارات» ضمن فئة «الإعلام والصحافة» وكذلك جائزة «أفضل موقع عربي». تجربة «البوابة العربية للأخبار التقنية» تبدو منسجمة مع كمّ هائل من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية العربية التي تتناول التكنولوجيا الرقمية في المعلوماتية والاتصالات.
يغرق الإعلام «العلمي» عربياً في رفع راية الدفاع عن حقوق الملكية الفكرية دون طرح السؤال التالي: ما هي الإسهامات العربية التي نريد الدفاع عنها في هذا المجال؟ بمعنى ما هو عدد براءات الاختراع التي ترجع إلى دول عربية في هذه التقنية؟ هل المهمة الرئيسية للإعلام في بلاد نامية هي الدفاع عن مصالح الشركات الكبرى، لا إدماج التكنولوجيا في مسار التنمية والخروج من التخلّف؟ ولماذا ذلك المديح العالي لمشهد تحطيم الأقراص المُدمجة، مع العلم أنها تفيض بالمعلومات التي يموت العالم العربي عطشاً إليها؟
يسمع اللبنانيون كلاماً عن «رضى» مؤسسة مثل «جمعية منتجي برامج الكومبيوتر في الشرق الأوسط» عن هذا الموقف الحكومي أو ذاك، ولكن كم مرّة قرأوا أن هذه الجمعية لا صفة رسمية لها! ليست فرعاً من الأمم المتحدة مثلاً. ومع ذلك تتمتع بسطوة مهيبة، ببساطة لأنها تمثّل بصورة أساسية الشركات الكُبرى المعلوماتية والـHigh tech! فمن يُمثّل الجمهور اللبناني ومصالحه، إن اقتصر الدور الحكومي على كسب ودّ تلك المؤسسة (وأمثالها) ورضاها؟ أين هو تجمّع المستهلكين للتقنية الإلكترونية، على أقل تقدير.
النغمة الأُخرى الأكثر شيوعاً في الإعلام «العلمي» العربي هي اللغة الوردية المثقلة بالوعود الفردوسية عند الحديث عن تلك التقنيات، وتكاد مقولاتها تختصر بأن تلك التكنولوجيا تحمل مفاتيح جنة، لا تكف الألسن عن اللهج بقرب هبوطها إلى أرضنا، شرط رضى الشركات وممثليها! ويُذكّر ذلك بمقولات المفكر الفرنسي جان بودريار عن الجنّة التي تبجّل العولمة (التي تعتبر التكنولوجيا الرقمية أهم عتلاتها)، والتي تجعل الشركات العملاقة كأنها آلهة معاصرة. ورأى بودريار في ذلك استلاباً يشبه ما تفعله الأديان بجماهيرها، إذا تحكّمت في عقولها ومخيلاتها.
واستطراداً، فإن معظم المجلات والصحف العربية المتخصصة في المعلوماتية والاتصالات لا تتحدث عن الحقوق الإلكترونية للمواطن، وهو موضوع أساسي. والحال أن من يريد البحث عن إعلام نقدي للعصر الرقمي، عليه أن يبحث عنه في الإعلام... الغربي.
إذا كان حضور الشركات العملاقة في الدول النامية فائق الأهمية، فمن المهم أيضاً أن توضع شروط قوية لكي تصنع سياقاً مناسباً لتلك الشركات، التي تفوق قدراتها دولاً مجتمعة. لنعط مثالاً: ما هو حدّ الربح الذي تعمل تحته شركات المعلوماتية والاتصالات في لبنان والعالم العربي؟ إنها لا تكشف عن ذلك أبداً في تقاريرها. وفي لقاء مع مديريها، ورد أن الدول العربية لا تسأل عن هذا الأمر، الذي هو (للمفارقة أيضاً) موضع تدقيق قوي في أميركا وأوروبا.