جو ريشاغريب أمر أهل بلاط قريطم والحاشية الناطقة باسم مليكها، تجدهم لا يتكلمون ولا يعملون ولا يفكرون إلا في المال ولغة الأرقام وكأنهم مكتب محاسبي أو كونتوار مالي أو أقله مجرد آلة حاسبة أو عداد رقمي! فسياساتهم شرائية واستراتيجياتهم تسويقية وأدمغتهم مرمّزة رقمية، حتى إن شكرهم لهبة المملكة العربية السعودية الدراسية هو الآخر... بالملايين! حيث انتشرت اللوحات الإعلانية المليونية الشكر على شاكلة العلم السعودي على طول الطرقات اللبنانية وعرضها، وكأن المطلوب الانحناء والتبجيل وتقديم الشكر الجزيل إلى المحسن الجليل الذي عملت يده اليمنى بالمعرفة اليقينية لليد اليسرى. هكذا تعمل مكاتب السمسرة، فإن ساعدت، نشرت الخبر، وإن أحسنت ذلّت البشر. فعند الحاجة إلى التظاهرات الشعبية فحقيبة مليونية متمركزة في الفندق الطرابلسي الشهير قادرة على استنهاض الحس الوطني في المناطق الشمالية الفقيرة والمحرومة فتهبّ لخدمة واجب ملء أكبر قدر ممكن من الأمتار المربعة في ساحة الشهداء. أما من أجل توحيد العائلات البيروتية، فلا بأس بشطب ديون من هنا وإطفاء خسائر من هناك.
كما أن توزيع تنكات زيت الزيتون الصحي الخالي من الكوليسترول والكرامة ليس بمضر من أجل رص الصفوف تحت راية واحدة وإن كانت دون تاريخ ولا حاضر.
أما البقاع، فشراء موسم البطاطا قد يكون كافياً لسد الثغر الباقية في ساحة الشهداء. وفي ما يخص الانتخابات النيابية في الربيع القادم، فبونات البنزين والمازوت توزّع بطريقة لافتة في العديد من القرى والبلدات، وخاصة تلك التي أعطت ثقتها لكتلة «التغيير والإصلاح»، كما أن الزفت بات الجوهرة السوداء في أيدي مَن رسبوا في هذه الدوائر في الانتخابات السابقة أمام المد البرتقالي، فيفلشونه حيث يرغبون شرط أن تؤدي الطرقات المعبّدة حديثاً إلى مكان واحد ألا وهو «مركز الاقتراع».
كما أنه لا ضير في توزيع صناديق الإعاشة عن «روح الشهيد»، فهي قادرة على سد الجوع من جهة، وردم الهوّة في الإحصاءات بين المعارضة والموالاة من جهة أخرى، هذا مع العلم أن صرف البترودولار لم يحن موعده بعد، إذ سيصل إلى ذروة إغداقه عشية الانتخابات وقد رصدت له بعض «الديموقراطيات العربية المعتدلة» مبالغ تسعاوية الأصفار، إذ إنه بنظرهم هم لكلٍّ سعره الشرائي، فالغالي والنفيس يهونان من أجل دحر ذلك العماد الذي زار بلاد فارس متخطياً الجلالات الصحراوية ووقف بوجه المشيخة الحريرية التي يحاولون فرضها في وطن الأرز.
كما طبّق قانون انتخابي سيطيح البوسطات «الفيلتمانوخوجية»، كما أن كل الأساليب مباحة لتقزيم مقاومة انتصرت وهم مَن اعتادوا الهزائم والهوان. غاب عن بال هؤلاء أنه في لبنان شعب لا يُشترى ولا يباع، شعب عظيم وكبرياءه بحجم قممه الشامخة، وتاريخه ذو جذور أعمق من آبار بترولهم الأسود، شعب تجري في عروقه دماء أجداد سطّروا العزة والمجد والبطولة عبر التاريخ من الإمام الأوزاعي والأمير فخر الدين وصولاً إلى يوسف بك كرم.
شعب قدّم سيداً وعماداً وقفا في وجه الاحتلال والوصاية. شعب كرامته لا تفهم لغة الأرقام والدنانير المستخدمة في أسواق النخاسة والرقيق، سيقول كلمته الحق خلال الانتخابات المقبلة، فتذهب أموالهم وأزلامهم في مهب الريح ويتلقّون درساً في القيم والأخلاق التي لا تُبنى دونها الأوطان.