راشيا الوادي ـــ عساف أبو رحال
تُعدّ زراعة الكرمة من الزراعات التقليدية في منطقة وادي التيم، حيث يتوزع ما بقي من الكروم على مساحات تقدر بنحو 2500 فدان، بحسب إفادات المزارعين. ويتركز معظم هذه الكروم في منطقة راشيا الوادي، البلدة الوحيدة التي أعادت نبض الحياة لمعاصرها وإن بطريقة حديثة، إذ حافظت على أسس هذه الصناعة ومبادئها التي تمثّل قطاعاً إنتاجياً مهماً يجمع بين الفلاح والمزارع والتاجر. يشرح الشيخ سهيل القضماني، صاحب «المعصرة الجديدة» في راشيا، كيف كان دبس العنب يصنع سابقاً: «كان الأجداد ينقلون العنب على ضهور الحمير إلى المعصرة، حيث يضعونه في مكان يسمّى البيدر. هناك، يدهس بالأرجل لاستخراج العصير الذي يرشّ عليه تراب أبيض يدعى «الحوارة». وبعد أن يستريح لبضع ساعات في مكان يدعى البئر، ينقل إلى الخلقين حيث يغلى لمدة 24 ساعة على نار الحطب ليصبح دبساً بلون أحمر غامق. بعدها يضرب بالقضبان ليتماسك».أما اليوم، فقد حلّت المكننة على هذه الصناعة، «فبات بإمكان المعصرة صناعة 300 طن من العنب خلال الموسم»، كما يفيد
الشيخ حسيب أبو حجيلي، صاحب إحدى المعاصر الأربع التي تعمل اليوم في راشيا، وهي معصرة «اليعسوب». تأسست هذه المعصرة في الخمسينيات، ويذكر أبو حجيلي «أن العمل كان شاقاً ومتعباً قبل تطوير المعصرة بآلات الفرم والكبس والمزج والخبط التي صمّمت وصنعت محلياً منذ أكثر من 15 سنة».
فاليوم «أصبح العنب يفرم بواسطة ماكينة كهربائية، وعملية الكبس تتم بواسطة مكبس هيدروليكي. بعدها يجمع العصير في خزانات من الستانليس لمدة ثماني ساعات يطبخ بعدها بالخلقينة لمدة 35 دقيقة لكل 100 ليتر عصير، مع استخدام مقياس نسبة الرطوبة بحيث لا تتعدى 20 في المئة. أما التبريد فيعتمد على الهواء والماء عبر آلة مصممة يدوياً لهذه الغاية. بعدها ينقل الدبس إلى حوض صغير لتجري عملية الخبط ويصبح أشقر اللون ثم يعبأ في أوعية زجاجية للتخزين».
كذلك يلفت أبو حجيلي إلى تقليد مقايضة دبس العنب بزيت الزيتون الذي اعتمده الأهالي «لتنشأ بذلك حركة تبادل تقليدي للمنتجات الزراعية بين القرى لا تزال قائمة حتى اليوم».
دبس العنب مادة غذائية خالية من المواد الكيميائية، يعتمدها الأهالي في الريف اللبناني لصناعة الحلويات أو بعد خلطها مع الطحينة، كما تستخدم لصنع شراب منعش في الصيف. تراجع إنتاجها منذ سنوات، لكن جهود المزارعين والمهتمين في الحفاظ على هذا التقليد، أعادها إلى الواجهة وحوّل إنتاجها ليدخل في صلب اقتصاد العديد من العائلات الزراعية التي استعادت دورها بفاعلية في إنتاج دبس له مكانته وزبائنه الذين يتوافدون لشرائه مؤونة لفصل الشتاء.