الوزاني ــ عساف أبورحالكثيراً ما كان رشق الحجارة عرفاً ونشاطاً يومياً يمارسه الجنوبيون ضد دوريات الاحتلال المتنقّلة وضدّ مراكزه الثابتة، عند مواقع العبّاد والعديسة وكفركلا وبوابة فاطمة. إلا أن العدو الذي يحاول الاستيلاء على الرموز التراثية والوطنية، فتمتد يديه مرة إلى المأكولات اللبنانية وأخرى إلى الكوفية الفلسطينية، ارتأى أمس مصادرة رمزية الحجارة التي أرهقت «أيادي أطفالها» في فلسطين وفي القرى الجنوبية اللبنانية.
فقد أقدم جنود الاحتلال المتمركزون في الجزء الجنوبي من بلدة الغجر المحتلة، وتحديداً من أحد مواقعهم المشرفة على مجرى الوزاني، على رشق الحجارة بواسطة «مقلاع»، مستهدفين أحد رعاة المواشي، محمد المحمد، الذي كان يرعى قطيعه قرب مجرى النهر في الجانب اللبناني من الحدود!
ويروي محمد: «كنت، كعادتي كل يوم، برفقة قطيعي عند ضفاف مجرى الوزاني، حين اقتربت دورية معادية من الشريط. طلب مني عناصرها الابتعاد بالقطيع فرفضت، لأن الأراضي لبنانية ولنا حق السيادة عليها والتصرف داخلها كما نشاء. عندها، ابتعدوا عن الشريط نحو موقع قريب لهم، ووجهوا إليّ إنذاراً بالمغادرة وبالابتعاد عن الخط الأزرق، لكنّني لم أنصع لأوامرهم التي لا تعنيني، فأنا أمارس نشاطًا روتينياً داخل الأراضي اللبنانية. بعد قليل، بادر الجنود إلى رشق الحجارة باتجاهي، ظنًا منهم أن القطيع سينكفئ ويتراجع إلى الخلف، لكني واصلت نشاطي المعتاد، وسوف أواصله كل يوم، لأنه يقع ضمن حدودنا». ورأى مختار بلدة الوزاني، أحمد المحمد، أن الحادثة خير دليل على استمرار التعديات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، مدرجاً إياها في إطار الخروق التي تصيب حرية المواطن اللبناني في تجواله داخل أرضه، ومطالباً بضرورة حماية المزارعين ورعاة المواشي الحدوديين. فاليوم، اقتصر الأمر على رشق الحجارة، أما غداً، فقد يتحول إلى إطلاق النار»، على حدّ قوله.
يذكر أن مئات قليلة من الأمتار تكوّن مجرى نهر الوزاني، الذي يفصل بلدة الوزاني عن جارتها الغجر المحتلة. غالبية أهالي هذه المنطقة رعاة يعتمدون تربية المواشي مصدراً وحيداً لتحصيل لقمة عيشهم.
رعاة لم يبقَ لهم بعد عام 2000 سوى رقعة ضيقة محاذية لمجرى النهر، تمثّل ملجأً آمناً لقطعانهم، لغناها بأنواع النباتات البرية وقربها من مصادر المياه المتوافرة على مدار السنة.
فمنذ ذلك العام، تقلّصت المراعي على حساب اتساع رقعة الأراضي الزراعية بعد عمليات استصلاح شملت آلاف الدونمات، وأمس، جاءت حجارة جنود الاحتلال لتزيد «الطين بلة»..