زغرتا ــ فريد بو فرنسيسإنّها السادسة صباحاً، ينطلق ميلاد الشامي نحو حقل الزيتون في بلدته زغرتا، حاملاً عدّته المؤلّفة من أكياس «النايلون» وقضبان شجر الحور الطويلة التي يستعين بها لإنزال حبّات الزيتون من أعلى الشجرة. إنّها بداية الموسم. الجميع في بساتينهم يتهيّأون لقطاف الزيتون، لكن موسم هذا العام لا يبدو وفيراً في زغرتا، فـ«حبّات الزيتون عددها قليل في الشجرة»، كما يلفت الشامي. إلّا أنّ الفارق هنا، على الرغم من هذه الإنتاجيّة الضئيلة، هو «المقطوعية الجيّدة للزيت، وخصوصاً أنّ الحبّات مليئة بالزيت قياساً بالموسم الماضي». ويكمل أحد الملاكين الكبار لحقول الزيتون في المنطقة، إدوار خوري ما بدأه الشامي، لافتاً إلى «أنّ الأمطار التي تساقطت أخيراً على حبّات الزيتون حسّنت من حجمها ومن جودتها». ووسط هذا الفرح بـ«المقطوعيّة الجيّدة»، يخاف خوري «من بقاء الزيت في الخوابي، لأنّ ارتفاع تكلفة جمعه وعصره سوف يزيد من سعر صفيحة الزيت، الأمر الذي يعرقل عملية تصريفه وبيعه للمستهلك».
إلا أنّ الخوف لم يمنع مالكي الحقول الصغيرة من الفرح بالموسم، فهؤلاء لا يبيعون إنتاجهم، بل يعمدون إلى تموينه. ويشير ميشال ناصيف «إلى أنّنا نؤمّن من الحقل مؤونة الشتاء من الزيتون والزيت». أمّا من لا يملكون حقول زيتون، فقد عمد بعضهم إلى مساعدة أبناء بلدتهم في القطاف ــ بعدما ارتفعت أسعار اليد العاملة الأجنبيّة ـ مقابل الحصول على مؤونة الشتاء من الموسم. ويقول يوسف إفرام: «نحن لا نملك حقل زيتون، ولكننا اتفقنا مع صاحب هذا الحقل على أن نجمع المحصول مناصفة فيما بيننا، وبهذه الطريقة نؤمّن مؤونتنا من الزيت والزيتون الأخضر».
من يجُل في بساتين الزيتون في قضاء زغرتا، يتراءَ له مشهد بات مألوفاً في هذه الفترة من العام، عمّال يقفون على سلالم خشبية يقطفون حبات الزيتون تمهيداً لبيعها «إمّا للكبيس أو الزيت»، كما تقول منتورة سابا. تمسك منتورة العصا بيدها وتضرب الغصن العالي بهدوء لإسقاط الحبات العالقة في أعلى الشجرة، فيما العمال الآخرون ينهالون على الأغصان ضرباً بأسواطهم الغليظة، فتسقط الحبّات على «طرحات من النايلون»
تتكفّل النسوة وضعها في الأكياس لنقلها في ما بعد إلى المعصرة.