إبراهيم الأمينيقول خصوم الحركة الإسلامية في فلسطين، إن قرار جماعة الإخوان المسلمين بإبعاد الشهيد فتحي الشقاقي، كان الخطأ الذي دفع إلى قيام حركة الجهاد الإسلامي، والذي كان بدوره سبباً بارزاً في قيام حركة حماس على قاعدة مغادرة المساحة الرمادية والانخراط مباشرة وكلياً في العمل الجهادي ضد إسرائيل. وحتى استشهاده، ظل الدكتور الشقاقي عنواناً للسجال الفكري ـــ السياسي ـــ الحركي بين أوساط النخب الناشطة في فضاء الإخوان المسلمين، وبمعزل عن النقاش حول تأثره بثورة الإمام الخميني في إيران، فإن الدعوة إلى العمل الجهادي المباشر على خلفية عقائدية إسلامية، كانت مناسبة لإظهار التيار الإسلامي في حركة فتح، كبرى فصائل منظمة التحرير، إلى العلن أكثر، برغم أن هذا التيار تأثر بدوره بالثورة الإسلامية في إيران، لكن هذا السجال كان مفيداً لناحية خروج شباب من «الإخوان» في غزة لملاقاة الدعوة إلى العمل الميداني ضد قوات الاحتلال. علماً بأن تنظيم الجهاد كان منذ يومه الأول تنظيماً جهادياً لا يستهدف تحقيق حضور مباشر في السلطة اليومية أو الرسمية على الجمهور الفلسطيني.
وبعد استشهاد الشقاقي، أظهرت الأيام قدرة هذه الحركة على الصمود، وأنها تمثّل شيئاً لا يتعلق بشخص أو بمجموعة، وعكست في صفوف من بقي فيها أو من غادر، قدرة على الجمع بين جيل من المثقفين أصحاب الجدال مع الفكر الإسلامي التقليدي، وبين الانخراط في العمل المقاوم، مع ما لذلك من تبعات وأكلاف، أجبرت كثيرين من الكوادر على مغادرة بلدان ومؤسسات. وجاء تطور عمل المقاومة في لبنان، ونجاحاتها في إخراج الاحتلال، وتراجع جدوى البرنامج السياسي لفصائل منظمة التحرير التي اختارت التسوية سبيلاً، ليعزز مكان الحركة الإسلامية. وبرغم النمو الهائل الذي شهدته حماس، فإن حركة الجهاد لم تصب بالوهن، ولا هي تراجعت عن استراتيجيتها، ولا هي عدّلت في برنامجها العام، وحتى عندما حصل ما حصل في غزة، فهي بقيت على حلف استراتيجي مع حماس بوصفها الذراع الأقوى لتيار المقاومة في فلسطين، وإن لم تتخلَّ عن ملاحظات على أداء حماس على مستوى إدارة الحياة العامة في القطاع.
تعرّضت حركة الجهاد لفترة طويلة لحرب متنوعة، لم تتوقف إسرائيل عن مطاردتها يوماً، ولديها أربعة أو خمسة أجيال من القياديين داخل السجون، وخسرت عدداً غير قليل من الكوادر الذين استشهدوا دون أن يتراجع نموّ التنظيم وفاعليته، علماً بأن الحركة ربما تتعرض دون غيرها من الحركات الإسلامية الجهادية إلى حملة حتى من عتاة التيارات السلفية وبعض الفرق داخل «الإخوان»، على خلفيّة تواصلها السياسي الوثيق مع إيران وحزب الله، وحصل الهجوم عليها على خلفية أنها مدخل خلفيّ لحركة التشيّع في فلسطين، ثم هوجمت من بعض الفرق التكفيرية لرفضها الجهاد العشوائي، ولكونها قالت دوماً بتركيز النضال على العدو الأول أي إسرائيل، ولأنها رفضت الأعمال التي تطال المدنيين من شعوب عربية وإسلامية لمجرد أن هناك من أفتى وقرر ونفذ.
خارج فلسطين كما داخلها، رسمت حركة الجهاد لنفسها خطاً ومساراً يتصل بأولوية واضحة وحاسمة هي قضية المقاومة، وحتى التحايل الذي تمارسه قوى مقاومة من أجل تنظيم تحالفات تخدم قضيتها، لم تلجأ إليه حركة الجهاد، بل كانت صريحة إلى حدود فجة، وهي تقول رأيها صراحة في البرامج والأولويات. وبرغم قناعتها بلا جدوى المسار السياسي لسلطة أبو مازن، أو اعتراضها على «تفرّد» حماس في مقاربة العديد من الملفات العامة، إلا أن حركة الجهاد لم تقفل باب التواصل مع كل فلسطيني، بدءاً بأن كل واحد من أبناء بلدهم له الحق وعليه واجب الجهاد، وصولاً إلى عدم تكفير أو تخوين من يمكن تصنيفه في خانة الابن الضال.
لم تخرج حركة الجهاد في عمرها القصير عن خط النقاش حول الأجدى للقضية الفلسطينية، وما يميزها عن الآخرين، وجود عدد من القيادات القادرة على الإضافة فكرياً وسياسياً، وقد يكون في مقدمهم أمينها العام الحالي، الذي لا يبعده عمله التنظيمي ومتابعاته العمل الأمني والعسكري لتنظيمه داخل فلسطين، عن البقاء طازج المتابعة لكل النقاشات الفكرية والثقافية والأدبية وخلافه، وهو الذي يجد من حوله مجموعة من المساعدين الذين يقدرون على القيام بأدوار تبدو تاريخية الآن في تأثيرها على مستقبل الحركة، من زياد نخالة، أو روح الحركة، إلى أستاذ غزة الدكتور محمد الهندي، إلى الشيخ نافذ عزام الناشط على الأرض وبين الناس، وصولاً إلى آخرين من الذين لا يتعرف الجمهور على صورهم وأسمائهم إلا عندما يسقطون شهداء.