بلغ مجد ومدى قانصوه اليوم من العمر 25 يوماً. لكن سجلّهما «النضالي» بدأ باكراً، بمشاركتهما في اعتصامين أمام سفارة لبنان في براغ وإصدار بيان و«توقيع» عريضة تطالب بوضع حدّ لتصرفات السفير اللبناني في العاصمة التشيكية الذي ماطل في تسجيلهما بأنهما لبنانيان لأسباب غير مفهومة، ما أدى إلى إدخالهما ووالدتهما المستشفى لأسبوع
أيمن فاضل
نصف رجال الدولة في لبنان تدخّلوا لحل مشكلة الطفلين. وصلت الاتصالات إلى وزير الخارجية والمغتربين، فوزي صلوخ، وعدد من النوّاب في البرلمان، منهم العماد ميشال عون والنائب نبيل نقولا، إضافة إلى الأمين العام للخارجية، ظافر الحسن، ووزيرة التربية بهية الحريري. كل تلك الاتصالات أجبرت السفير في النهاية على تسجيل مجد ومدى كلبنانيين، وذلك بعد ضغوط من «أعلى المستويات» وإرسال عريضة موقعة من 200 لبناني، هم تقريباً كل أفراد الجالية في براغ، إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، تشتكي سلوك السفير جاد الحسن المعيّن منذ ما يقرب السنة.
وفي التفاصيل، أن زوجة عامر قانصوه، والد الطفلين، أنجبت توأمين في 9 تشرين الأول. لكن أحد الوليدين كسرت قدمه خلال الولادة، فذهب الوالد ليسجّل المولودين في التأمين الصحي في بلدية الدائرة التابعين لها، فطلب منه تسجيلهما لدى سفارة بلادهم أولاً. توجّه قانصوه إلى براغ، التي تبعد 150 كلم عن «كارلوفي فاري»، حيث يسكن، حاملاً كل الأوراق القانونية مترجمة ومصدّقة. لكنه اكتشف أنه وصل متأخراً، فعاد أدراجه. وفي اليوم التالي، بكّر في الذهاب. ففتحت له موظفة الباب، وأبلغته مباشرة قبل عرض طلبه أن السفير غير موجود، وأنه لا صلاحية لأي موظف بإجراء أي معاملات بسبب شغور منصب السكرتير المسلكي (المفوض بالتوقيع في غياب السفير). فشرح لها مشكلته، ما دفعها إلى الاتصال بالسفير الذي طلب منه العودة في اليوم التالي. كان وضع مجد الصحي يتراجع، والوالد بحاجة إلى أوراق تثبت لبنانيته ليستطيع تحميل التأمين كلفة الطبابة، فعاد في اليوم التالي، وكان نهار جمعة. لكن الموظّفة أبلغته أنه غير موجود. وحين حاولت الاتصال به محرجة، أجابها السفير: «لن أداوم اليوم وربما الاثنين أيضاً». فما كان من قانصوه إلاّ أن ترك رسالة شفوية للسفير بأنه سيأتي يوم الاثنين ومعه مجد ومدى (كان قد أصبح عمرهما 10 أيام)، وإن لم يحصلا على قيدهما لبنانيين، فإنه سيعتصم معهما في السفارة.
الاثنين لم يأت السفير. وشاركت مدى وأخوها مجد في أول اعتصامٍ لهما. كان رد السفير «اعملو شو ما بدكن ما رح وقّّع». فاتصل قانصوه بوزارة الخارجية. أبدى جورج جلاد، الدبلوماسي بمكتب الأمين العام للخارجية، استغرابه لهذه الممارسة، وطلب منه الانتظار في السفارة ببراغ ريثما يبلغ الوزير صلّوخ لكي يتصل بالسفير. وعلى ما يبدو فقد كان تدخل صلوخ فعالاً، إذ إن السفير اتصل فعلاً بعد 10 دقائق، وقال لموظّفة السفارة: «إذا لم يضع المعتصم قانصوه أوراقه «بالذوق» ويذهب، فلن أنجزها له أبداً». سمع قانصوه الاتصال، فأخذ الهاتف من الموظفة وأبلغ السفير أنه قرر الاستمرار حتى النهاية، لا بل إنه سيستدعي الصحافة ويتصل بكل السياسيين في لبنان. بعد ذلك، قرر السفير على ما يبدو، أن يغلق هاتفه النقال. هذا ما استنتجه أحمد، ابن الوزيرة الحريري، عندما حاول الاتصال بالسفير لإنهاء الموضوع، حسب قانصوه.
لكن، ما لم يحسبه السفير، أن أخبار الاعتصام وصلت للبنانيي براغ. هكذا، بدأوا بالتجمع في السفارة والاعتصام. «عندها، يقول عامر، اكتشفت أنني لست حالة خاصة» وأن هناك معاناة من ممارسات هذا السفير. امتلأت قاعة السفارة، فيما توجه قدامى المغتربين في براغ لمنزل السفير على أمل حل الأمور حبياً، لكنه لم يستقبلهم. وبعد ظهر اليوم التالي، بدأ التعب يظهر على الطفل، بينما اضطر الوالد إلى نقله للمستشفى في حالٍ خطرة مع الوالدة التي بدأ جرحها، لكونها ولدت بعملية قيصرية، ينزف. ثم سارع للاتصال بالنائب ميشال عون والنائب نبيل نقولا، فأبديا استهجاناً لتصرفات السفير واستعداداً للمساعدة، وهو ما أكّده نقولا لـ«الأخبار»، حيث قال إنه اتصل بالأمين العام للخارجية، بسام نعماني، وطلب منه ملاحقة الموضوع. واستمرت الاتصالات طوال الليل. وفي صباح اليوم التالي، عاد اللبنانيون وتجمّعوا في السفارة في براغ من تلقاء أنفسهم، وأصدروا بياناً تضامنياً مع مجد ومدى. أما العريضة التي وقّعها 200 لبناني مقيمين في تشيكيا، فقد استنكرت ممارسات السفير التي أدّت إلى استقالة معظم موظّفي السفارة «حفاظاً على كراماتهم»، كما أشارت العريضة إلى استفساره عن «مذهب» و«حزب» اللبنانيين قبل إنجاز معاملاتهم، مطالبين بوضع حد له أو استبداله، لأن تشيكيا ستترأس المجموعة الأوروبية العام المقبل و«لا نعتقد أن سفيراً كجاد الحسن سيكون بمستوى المسؤولية».
المهم، بعد كل تلك الضغوط، وبعد استمرار الاعتصام في مركز السفارة، اضطر السفير لأن يوقّع. لكنه ظل «يفاوض» على «ماء الوجه»، عبر رفضه الحضور إلى السفارة، ما أضطر موظف السفارة محمد بلبل، إلى حمل أوراق المعاملة إلى منزل السفير حتى وقع عليها! لكن، هل ينتهي الأمر على هذه الشاكلة؟ والسؤال الأهمّ: لماذا تصرف السفير هكذا؟ فهل هو موقف سياسي كما يظن البعض من جالية المعارضة لكون السفير سأل أحياناً عن «انتماء» بعضهم قبل تمرير المعاملات؟ لكن يبدو أن سوء معاملة السفير عمّت «بخيراتها» كل اللبنانيين! فهل هو يتصرف على طريقة «اشتغل وعطل تيقولولك بطّلا»؟ لا أحد يعلم. لكن الأكيد أن عامر قانصوه سيرفع، كما أكد لـ«الأخبار»، دعوى شخصية على السفير الذي كان سبب دخول طفليه أسبوعاً إلى المستشفى. والأكيد أن هذه الطريقة هي التي يجب اتباعها في الحصول على الحقوق المواطنية من موظفين، يظنون أن وظائفهم العامة هي مناصب فرعونية لهم فيها السلطة المطلقة.