جبيل ــ جوانّا عازاربعلبك ــ علي يزبكلكن، لا يبدو أنّنا هنا في لبنان أمام مشكلة واحدة، حيث أشارت عضو مجلس بلديّة أكس أن بروفانس المفوّضة بشؤون التراث ورئيسة المكتب البلدي للسياحة الفرنسية ماري بيار سيكار دينويل، في حديثها لـ«الأخبار»، إلى أنّ «مشاكل التراث والتنمية متشعّبة ليس فقط في لبنان، إذ إنّ الصعوبات تتشابه بين جميع البلدان»، مؤكّدة أنّ السبب يكمن «في أنّ أجهزة الدولة الرسميّة لا تتعاون بنسبة متقدّمة مع تلك المشاكل». وترى دينويل أنّ الحلّ بيد كلّ فرد من المجتمع، «حيث يتحتّم على كلّ واحد منّا أن يكون فاعلاً في الحفاظ على التراث، من خلال حثّ المدارس والجمعيّات والمواطنين على التحرّك بالطريقة التي يرونها مناسبة». وأعطت دينويل مثالاً عن تجربة بلديّة أكس أن بروفانس في هذا المجال، حيث تعوّل البلديّة «على الأطفال في المدارس، ونحثّهم منذ الصغر على المحافظة على التراث، إضافة إلى تنظيم المعارض العامّة التي يشارك فيها المواطنون».
دينويل، الخائفة من ضياع التراث بسبب لامبالاة الأجهزة الرسميّة، توجّهت، خلال جلسة افتتاح المؤتمر في جبيل، بدعوةٍ واضحة إلى ممثّلي البلدان المشاركة من أجل المحافظة على التراث وتعزيزه، موضحة أنّ «المطلوب ليس جعل المدينة متحفاً، بل المحافظة على الموجود، إضافةً إلى المواقع اقتصاديّاً وسياحيّاً وتجاريّاً».
وبعيداً عن دينويل وتجربة مدينتها الفرنسيّة، تطرّق رئيس بلديّة جبيل جوزف الشامي إلى تراث مدينته، التي تشكو من سوء التنظيم والتنسيق بين المجتمع المحلّي والوزارات الرسمية. وهنا، يرى الشامي أنّ «إدارة المدن الأثريّة تتطلّب مشاركة فاعلة بين السلطة المركزيّة والسلطات المحليّة». أمّا عن حاجات مدينة جبيل، فيلفت الشامي «إلى أنّها بحاجة إلى تبادل الخبرات والتعاون المستمرّ مع المدن ذات التراث الثقافي والتاريخيّ، وإلى إيجاد مصادر تمويل لتحقيق المشاريع الضروريّة، وأخيراً إلى إعادة النظر بالقوانين المرعيّة الإجراء في الدولة من أجل لامركزيّة إدارية حقيقيّة تعطي التمثيل المحلّي دوره الطبيعيّ في إدارة شؤون المدينة».
أمّا حاجات مدينة بعلبك، وهي المدينة التراثيّة التي تترأس شبكة المدن الأثريّة لهذا العام، فقد تكفّل رئيس بلديّتها بسّام رعد عرض المخزون التراثي للمدينة، طارحاً إشكاليّة إدارة الأماكن التراثيّة التي تفتقر إليها المدينة. وطالب رعد بـ«ضرورة إنشاء إدارة مشتركة بين المدن التراثية، تهتمّ بالحفاظ على المخزون التراثيّ».
ومن الناحية الأخرى، استعرض ممثّل وزير السياحة المهندس طنّوس قرداحي الخطة السياحية الوطنية المتّبعة في لبنان وآليات تنفيذها وكيفية التنسيق مع البلديات اللبنانية والقطاع الخاص، فيما شدّدت رئيسة لجنة مهرجانات بيبلوس الدولية لطيفة اللقيس على دور المهرجانات في الإنماء السياحي والتنمية المحليّة.
مرّ اليوم الأوّل في جبيل، من دون الخروج بنتائج واضحة، فاقتصر النهار الطويل على استعراض المشاكل التي تعانيها المدن التراثيّة في لبنان والعالم العربي، وزيارة سوق المدينة القديم ومتحف المتحجّرات.
وفي اليوم الثاني للمؤتمر الذي أُقيم في مدينة بعلبك، لم تنتهِ مشاكل التراث، فكانت حاضرة بقوة في جلسات النقاش. لكن، الجديد في اليوم الثاني، أنّ المشاركين وضعوا برنامجاً لتبادل الزيارات والخبرات بين المدن التراثية، إضافة إلى تحديد موضوع المؤتمر للعام المقبل، والتداول مع الشركاء الأوروبيين في مشروع البلديات اللبناني بشأن تأسيس مكتب بلدي للتنمية السياحية، وخلق صلة وصل مع المكاتب البلدية للتنمية المحلية في سوريا والأردن.
وخلال اللقاء، جدّد رئيس بلدية بعلبك بسام رعد التأكيد على ضرورة «إنشاء هيئة مشتركة للمدن التراثية، وتطوير الشراكة مع المدن الأوروبية، بعدما ظهر الأمر مشجعاً مع بلدية إكس إن بروفانس». كذلك تخلّلت المؤتمر كلمات ومداخلات خلصت إلى نتيجة يتيمة تشدّد على وجوب إبقاء عمل شبكة المدن بعيداً عن السياسة.