البقاع ــ أسامة القادريكان محمّد العبيد يهيّئ مؤونة الشتاء من المازوت، قبل أن يحلّ البرد. أمّا هذا العام، فلا يبدو أنّ الأمور تسير على ما يرام. فالرجل الذي يقطن في حي «سرسق» في خراج بلدة بر الياس، حيث البرد القارس، لم يستطع إلى الآن توفير مؤونته من المازوت ولا الحطب. لكن، أبو علي، رغم انزعاجه، يدرك جيّداً أنّ ارتفاع أسعار المازوت يجبر ولديه على التريّث قليلاً، بانتظار انخفاض الأسعار في مرحلة لاحقة. يرجع أبو علي سنواتٍ إلى الوراء، عندما «كنّا متل هالإيام مركبين الصوبيا مقضيينها»، منزعجاً من اليوم «اللي صرنا في بالحرامات».
انزعاج أبو علي، ليس من «الحرامات» وغلاء المازوت فقط، فما يزيد الطين بلّة أنّه لم يستطع شراء الحطب أيضاً، بعدما فاق سعر الطنّ الواحد 250 ألف ليرة، في الوقت الذي تزداد فيه الدفعات من أجل المؤونة وتسديد أقساط المدارس.
لا تختلف حال علي نصر الله من بلدة الدلهمية في البقاع الأوسط، عن حال أبو علي العبيد، فهو ما زال ينتظر دعم الدولة للمازوت، مستفيضاً في شرح الأسباب التي ترغمه على عدم توفير المازوت أو الحطب، بقوله: «ليس لديّ القدرة المالية على شراء تنكة المازوت، ثمّ إنّ الحطب قصته قصّة في بيتي الصغير، ولا مكان عندي لوضع الحطب». يتابع، وهو يحاول أن يوازي بين دخله الذي يبلغ 600 ألف ليرة، وكلفة شراء المازوت أو الحطب التي تبلغ في أدنى مستوياتها ضعف الراتب «وهذا لشهرين فقط». أما الآخرون، فمنهم من استطاع إيجاد طرقٍ أخرى للتدفئة «وفّيرة»، فوائل الفليطي من منطقة ديرزنون استعان على حلّ أزمته مع التدفئة بشراء المازوت «المخلوط بزيت السيارات المحروق». ويبرر الفليطي هذا الغش «إذا كان هذا يضرّ بالصحّة قليلاً، فالبرد هو سبب كل علّة وما بترحم لا الصحّة ولا الجيب». أمّا محمد عبد الحليم، فليس بحاجةٍ إلى الغش، حيث عمد إلى «تقسيط» الحطب على دفعات، بدلاً من انتظار وهم انخفاض أسعار المازوت. لكن عبد الحليم لم يوفّر «كلّ الحطبات»، معتمداً على أيّام الصيد، حيث يعمد «في كل رحلة صيد إلى تشحيل شوية شجر». إلّا أن انخفاض سعر المازوت، إن حصل، لن يكون نعمة على جميع البقاعيين، إذ إنّه سيسقط كـ«الصاعقة» على وليد القاسم الذي يمتهن منذ سنة ونصف بيع الحطب، متجولاً في «بيك أب»، ليأخذ بين الحين والحين من جوانب مفترقات مدينة زحلة ومن المفارق التي تؤدي إلى قرى البقاع الغربي محطة لعرض حطبه. يقول القاسم إنه منذ أن بدأت أسعار المحروقات تنخفض، بدأ يلتمس تراجع نسبة بيعه للحطب، وهذا ما يسبب له خسارة مؤكدة. ويبرّر هذه الخسارة بالقول: «إذا انخفض سعر المازوت، فهذا يحتم عليّ خفض أسعار الحطب، وأنا لست على استعدادٍ الآن لخفض الأسعار، لأنّني عندما اشتريت الحطبات كانت أسعارها مرتفعة، وأحتاج لبيعها بالسعر نفسه، إن لم يكن أكثر». ولكن، يطمئن قاسم إلى سعر المازوت الذي لم ينخفض إلى الآن «ولن ينخفض، لأنّه السعر اللي بيطلع بلبنان بضل على طلعته».