ميرا صيداويتتصاعد سخونة جسده على فراشه المهترئ، إنه يوم جديد... حسن جداً... ينهض من نومه بعد فانتازيا ليلية غرقت بها أطرافه، فكر أن حلم البارحة لن يتكرّر، ليطلق العنان لتثاؤب طويل تعقبه صرخة صغيرة، بينما يمدّد جسده المفكك.
بعد حمام قصير، يرتدي ملابسه العتيقة محاولاً التفكير بنظريات جديدة قد تقوّي موقفه أمام رفاقه القدامى، الجدد.
يحمل جريدة أمس، ومجموعة من أوراق أو قصاصات أوراقٍ صغيرة، عليها بعض الأفكار، أرقام هواتف بلا أسماء، ومشاريع لأعمال أدبية. يعبر شارع الحمراء صامتاً، يشعره المكان بضرورة ابتلاع حبوبه المهدئة، يتذكر أغنية للبيتلز: «yesterday» أو مقطعاً موسيقياً من «The dark side of the moon» لـ«pink floid»، تختلط بأغان أخرى فتختلط دندنة الموسيقى مع تصاعد الضجيج في المدينة.
يسير في الطريق، الحمرا اليوم لا تشبه الحمرا التي عرفها. يفكر في كل المقالات التي كتبها. لم تعد فيها مقاهيه القديمة التي كتب عنها، ولطالما شتم المقاهي الجديدة التي اعتاد أن يلعنها سراً ويجلس فيها سراً بين الحين والآخر..
يعبر لحن آخر لأغنية بأذنيه ليعاود محاولة رسم ابتسامة غريبة على شفتيه. يرتّب هندامه قليلاً، بعدما اقتربت خطاه من المقهى.
يجلس على كرسيه الأحمر في الكافيه دو باري، يحدّث الأصدقاء أنفسهم. وككل يوم سوف يطلقون لنظريات جديدة «الأقلام الشابة لا تعي كيف تكتب لأنها لا تقرأنا»، «لقد دخلنا الحداثة من أبوابها الرئيسية، منذ متى كان الشاب فلان كاتباً مهماً؟»...مجموعة من الأحكام الجاهزة يطلقونها دون توانٍ.
يصل النقاش بعد مجموعة من المبالغات حداً تتصاعد فيه أصوات المثقفين الأصدقاء، لتشنّ حرباً تنتهي بجمل معهودة من نوع. «أنت فاشل»، «شو عامل حتى تقيّم»... أو قد تمر المشاحنات بنوع آخر من الجمل من نوع: «كلنا نعرف قصصك مع الرأسماليين»، «خلي جماعتك ينفعوك»...
وفي حدة الصراع يحمل المثقف المفلس نفسه غاضباً، بعدما شرب قهوته متغافلاً عن دفع الحساب. في «ة ـ مربوطة»، يجلس طويلاً ليتلذذ بطعم زجاجة البيرة والمكسّرات التي قدمها له أحد المعارف، يشرب ببطء ليكتب بعض الخواطر، وليزيد من مدة جلوسه. دقائق في مقهى، لكن هذه المرة، مقهى إنترنت، بين المسنجر، ومطالعة شبه مجانية لصحف اليوم، يعود بعد ذلك إلى مقهى آخر. ينتهي منه ليمشي طويلاً في بيروت، دون أن يعرف أين ومتى ستنتهي خطواته.
اليوم نهاية الشهر وطبعاً غداً صراع جديد مع صاحبة الغرفة التي يستأجرها، حيث ستكون بانتظاره أمام الباب. لذلك سيعتزم العودة متأخراً، سيدخل محطته الأخيرة «البارومتر».
وكما اعتاد المكان، واعتاده، الجميع يتخبط على إيقاع موسيقى صاخبة، النسوة ينتشرن في المكان، يجلس مع فتاة وحيدة، يحاول أن يخترق حديثه الأصوات الصاخبة. ويرمي لها طعمه المعتاد. بعض من الشعر والفلسفة في ضجيج المكان، وتضيع كأسها بفمه حتى الفجر، والموسيقى المنخفضة تعلن انتهاء السهرة رغماً عن الراقصين المنهكين.
وحيداً يراقب الوجوه المبعثرة في المكان، يرتّب نفسه ويحاول الاختباء، الإفلاس يضربني حتى العظم وهم الإفلاس ضربهم منذ زمن.
ة مربوطة.. بارومتر.. الفقر.. الصراخ.. الأحلام المؤجلة.. النساء الفرائس.. سواء كنت مع أو ضد أي يوم من أيام آذار.. أغان قديمة حديثة..
شريط طويل.. يستمر اليوم الشهر السنة.. قريباً.. سينتهي هكذا، كان يفكر وهو يسير بتثاقل محاولاً رسم صورة أخرى لسريره الاسفنجي المهترئ.