يؤكّد أمنيون لبنانيون أن الفصائل الفلسطينية تنجح في سحب فتيل التفجير من مخيمي عين الحلوة والبداوي عبر تسليم المطلوبين. لكن تبقى قضيتا حمزة قاسم وعبد الرحمن عوض. فهل ستعاد تجربة «أبو عبيدة» أم «أبو محجن»؟
البداوي ــ عبد الكافي الصمد
عين الحلوة ــ خالد الغربي
أحدَث ما عرضه التلفزيون السوري يوم الخميس الفائت حراكاً أمنياً واسعاً، تأثرت به 3 مناطق كانت مسرحاً لأحداث أمنية على مدى السنتين الماضيتين: طرابلس، ومخيم البداوي، ومخيم عين الحلوة. فبعدما أوقفت الفصائل الفلسطينية في مخيم البداوي 3 مطلوبين وسلمتهم لاستخبارات الجيش يوم الجمعة الماضي، أوقف فرع المعلومات أمس أحد المطلوبين في طرابلس، قبل أن تسلّم حركة فتح الجيش أحد المشتبه في انتمائهم إلى «فتح الإسلام» في مخيم عين الحلوة.
وتؤكّد مراجع عسكرية وأمنية من جهة، ومسؤولو فصائل فلسطينية من جهة أخرى، وجود تنسيق كامل بين الفصائل والأجهزة الأمنية اللبنانية بهدف توقيف المطلوبين «ومنع تحول المخيمات بؤراً لاستهداف الأمن اللبناني والسوري». وبعد ظهر أمس، أوقفت حركة فتح المدعو محمد الدوخي في حي عرب الغور في مخيم عين الحلوة، قبل أن تسلّمه إلى الجيش اللبناني. وإذ أكدت مصادر فتح أن الدوخي ينتمي إلى «فتح الإسلام»، نفت مصادر إسلامية ذلك، مشيرة إلى أنه ينتمي إلى «جند الشام». إلا أن تقارير أمنية كانت قد تحدّثت عن أن الدوخي هو المسؤول الإعلامي في «فتح الإسلام»، وأنه الرجل الثالث بعد أمير التنظيم عبد الرحمن عوض، والشيخ أسامة الشهابي (المسؤول الشرعي في التنظيم المذكور).
ووضعت الاتهامات المتعلقة بمسؤولية عبد الرحمن عوض عن تفجيرات في سوريا ولبنان القادة الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة أمام مسؤولية من غير المعلوم بعد قدرتهم على الالتزام بها. وتشير بعض التجارب السابقة إلى قدرة قادة المخيم، وخاصة من «فتح» و«الكفاح المسلح»، على توقيف مطلوبين، كبديع حمادة (أبو عبيدة) الذي أعدم بعدما أدانه القضاء اللبناني بقتل 3 عسكريين من الجيش اللبناني؛ إضافة إلى توقيف «فتح» المطلوب حسام معروف وتسليمه إلى استخبارات الجيش قبل نحو 4 أشهر. إلا أن قضية عوض والشهابي وغيرهما من رموز «فتح الإسلام» تختلف عن سابقاتها. ويشبهها البعض بواقعة أحمد عبد الكريم السعدي (أبو محجن) الذي توارى عن الأنظار منذ عام 1995، بعد اتهامه باغتيال رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية الشيخ نزار الحلبي في بيروت.
وعندما حاولت «الأخبار» استيضاح بعض القادة الفلسطينيين في المخيم كيفية مقاربتهم لهذا الملف، أجاب عدد من قادة المنظمات الأصولية، ممن طلبوا عدم ذكر أسمائهم، بالتأكيد «أن أبو محمد عوض هو حالياً خارج مخيم عين الحلوة». أما مسؤول حركة حماس في صيدا، أبو أحمد فضل، فأكّد أن السلطات اللبنانية لم تُثر بعد قضية عوض مع القادة الفلسطينيين، مشيراً إلى أن «أبو محمد متوار عن الأنظار». بدوره، لا يقول قائد الكفاح المسلح في المخيم، العميد منير المقدح، سوى الآتي: «الوضع الأمني ممسوك، ولم يكن المخيم مقراً للخارجين عن القانون، ولن يكون هناك بارد آخر، ونقطة على السطر».
البحث عن العبسي
وفي مخيم البداوي، لا يزال صدى ما عرضه التلفزيون السوري يتردد بقوة، وخاصة بعد تسليم الفصائل 3 مطلوبين للجيش، يُعد أحدهم (أبو وائل خالد جبر) مخططاً رئيسياً في مجموعة عبد الغني جوهر. وأبرز ما يُثار في المخيم هو ما ذكر على التلفزيون السوري من أن شاكر العبسي كان مختبئاً في البداوي حتى شهر كانون الثاني 2008. عضو رابطة علماء فلسطين الشيخ محمد الحاج، الذي شارك في معظم المفاوضات بين الجيش و«فتح الإسلام»، وكان قد التقى شاكر العبسي مراراً، أشار إلى أنه لم يعد متأكداً مما إذا كان قد التقى العبسي فعلاً، أم أن من التقاه هو شخص آخر انتحل اسم العبسي. وعما إذا كان العبسي قد أدلى أمامه بكلام يفيد عن علاقته بتيار المستقبل، أشار الحاج إلى أن «ما كنا نسمعه منه هو قوله لنا مراراً إن له أنصاراً وحلفاء في الشمال. غير أنه لم يذكر من هم حلفاؤه المفترضون، ولا أين ستندلع المعارك خارج البارد إذا حدثت. وكان يقول لنا إنه لم يعط الأمر بعد لحلفائه بالتدخل لمساندته. أما آخر كلام قيل في هذا المجال فهو ما سمعناه على لسان زوجته من أنه ردد أمامها أن حلفاءه غدروا به».
في موازاة ذلك، أكدت مصادر فلسطينية في مخيم البداوي لـ«الأخبار» أنه «لم يكن لدى أي فصيل علم بوجود العبسي. ولو حدث لكان مصيره مثل مصير (مسؤول فتح الإسلام الذي اعتقل في المخيم بعد أحداث نهر البارد وسُلِّم للجيش اللبناني) ناصر اسماعيل وغيره، لأن أي فصيل ليس مستعداً لتغطية وجود العبسي»، لافتة إلى أنه «إذا صودف أن أحداً آواه، فذلك لا يتعدى أن يكون عملاً فردياً».
وأشارت المصادر إلى أن معظم «من تعاطفوا مع العبسي كانوا فلسطينيين سوريين وأردنيين. أما الفلسطينيون اللبنانيون، فكانوا قلة». في غضون ذلك، أكدت أوساط فلسطينية متابعة لـ«الأخبار» أن «إجراءات المراقبة في مخيم البداوي مشددة، لأننا لا نريد نهراً بارداً ثانياً، وأن هناك تعاوناً وتنسيقاً كاملين مع الأجهزة الأمنية اللبنانية في هذا الموضوع، وأن مسألة تسليم المطلوبين إلى السلطات الأمنية اللبنانية تجري بطريقة عملية بعيداً عن الضغوط، والطرف اللبناني يتفهّم الجهود التي نبذلها وآلية عملنا في متابعة هذا الملف، الذي يحتاج إلى وقت وإجراء اتصالات».
وأشارت هذه الأوساط إلى أن الاتصالات مع إمام مسجد القدس الشيخ حمزة قاسم (38 عاماً) لتسليم نفسه إلى السلطات «متروكة لتأخذ مداها الطبيعي»، لافتة إلى أن قاسم «يدرس خيارات عدة لتسليم نفسه بعد استشارة محامين كلفهم متابعة القضية، علماً أنه أكد أكثر من مرة براءته من كل التهم الموجهة إليه، وأنه مستعد لمواجهتها كلها».


ميرزا يأمر بالتحقيقفي الشكل، أكّد مسؤول أمني رفيع صحة ما ورد في الشريط من النواحي الآتية:
المدعو أبو الوليد مطلوب للقضاء اللبناني، وهو كان في طرابلس حتى توقيف نبيل رحيم وسمير الأيوبي (أبو عبد الرحمن) في كانون الثاني 2008 ــــ الفتاة التي ظهرت هي وفاء ابنة شاكر العبسي ــــ عبد الغني جوهر كان دائم التردد إلى دمشق ــــ السعودي أبو عائشة (الانتحاري المفترض في تفجير دمشق) هو المطلوب عبيدي الفقيه، الذي ينسب إليه الادعاء العام اللبناني مشاركته مع جوهر في تنفيذ تفجير طرابلس يوم 13 آب 2008، وهو كان من مقاتلي فتح الإسلام في معركة نهر البارد.
وإذ تحفّظ المسؤول على الاتهام الموجه لتيار «المستقبل» بتمويل فتح الإسلام، لفت إلى أن المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا عدّ ما ورد على التلفزيون السوري إخباراً، وأمر بمباشرة التحقيق مع الموقوفَين نبيل رحيّم وسمير الأيوبي. وبناءً على اعتراف الأخير لدى فرع المعلومات، أوقفت دورية من الفرع المدعو خالد العتر (أبو العبد) في طرابلس أول من أمس، الذي ورد ذكره على لسان «أبو الوليد» أنه أسهم، بعد توقيف رحيّم والأيوبي، بتهريب شاكر العبسي من مكان اختبائه في مخيم البداوي. ورغم قول «أبو الوليد» إن الأيوبي كان يعرف المكان المذكور، أشار مسؤول أمني إلى أن التحقيق مع «الأيوبي ورحيّم والعتر لا يزال بحاجة لبعض الوقت من أجل التوصل إلى النتائج المرجوة منه». وفي المقابل، أكّد ضابط مطلع على التحقيقات وجود إشارات إلى أن العبسي «كان بالفعل في مخيم البداوي، وأنه على الأرجح لم يكن يتحرّك في المخيم أو يستخدم الهاتف».