خالد صاغيةصور حريق «الهوليداي إن» تملأ الطرقات مذيّلة بعبارات النشوة بالانتصار. وكأنّ حرب السنتين التي افتتحت حروبنا الأهلية الطويلة لا تزال موضع فخر حزب الكتائب اللبنانيّة. لقد كانت جزءاً من «الواجب الوطني» الذي عبّر عنه سمير جعجع، وجزءاً من البطولات التي تغنّى بها أمين الجميّل عند ترشّحه للانتخابات الفرعيّة في قضاء المتن. أمّا خلاصة هذه الانتصارات، فهي القضاء على فكرة التوطين. فعلى ما يبدو، خاض الفدائيّون الفلسطينيّون حرباً لفرض توطينهم في لبنان، فوقف معهم قسم من اللبنانيين، وحارب ضدّهم قسم آخر. أمّا النتيجة، فانتصار فريق «لا للتوطين» على الفريق «المتآمر» مع الفلسطينيّين.
الواضح أنّ الكتائب ترفع اليوم شعار محاربة التوطين لأسباب انتخابية في مواجهة التيار الوطني الحر الذي يرفع الشعار نفسه. وإذا كان التيار يخبرنا يومياً عن الخطر الداهم للتوطين، موحياً بأنّ محاربته تقضي بالالتحاق بركب الجنرال ميشال عون، فإنّ الكتائب تذكّر بأنّها هي من حارب التوطين، وبالسلاح، وأنّ هذه مسألة منتهية منذ زمن، منذ حرب السنتين.
لماذا تحتاج المعركة الانتخابية اللبنانية إلى التركيز على خطر خارجيّ يجسّده الفلسطينيّون غالباً؟ هل أنهى الأطراف اللبنانيون المتنازعون، وخصوصاً أولئك الذين يتقاتلون على المقاعد النيابيّة المسيحيّة، النقاش بشأن قضايا البلاد الخلافيّة، وما عاد أمامهم إلا التسابق على منع التوطين؟
هل يخبرنا حزب الكتائب اللبنانية، الحريص على «التوازن الديموغرافي»، ما الذي يفعله للحدّ من الهجرة؟ وهل يخبرنا ما هي السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي يدعمها لكي توفّر بديلاً من تحويلات المهاجرين؟
من المفهوم ألا تكون الانتخابات النيابية محطّة ثانوية في حياة حزب ما. فالوصول إلى البرلمان هدف أساسي لكلّ حزب، يستخدم في سبيله وسائل شتّى. لكن يفترض بالموسم الانتخابي أن يمثّل مناسبة لمناقشة أحوال البلاد، ولتظهير المشاكل التي نشأت في الفترة السابقة، وللتنافس على تقديم الحلول. إنّه موسم إنتاج الأفكار الجديدة للحكم، للنظرة إلى البلاد ووحدتها، لتنظيم شؤونها، لرفع المستوى المعيشي لأبنائها. إنّه موسم اجتراح الحلول لتخطّي النقاط السوداء في الماضي، ورسم النقاط المضيئة للمستقبل.
لكنّ أحزابنا المفلسة التي لا تملك أي تصوّر للمستقبل تتنافس على إعادة تبييض صورتها الماضية، وهي صورة غير مشرّفة على أيّ حال. هكذا يفخر البعض بتاريخه الدموي، ويفخر بعض آخر بتاريخه العنصري، ويزايد بعض ثالث بنهب المال العام، وبعض رابع بنهب المال الخاص، وبعض خامس بتصفية الأحزاب المناوئة...
ليست المرّة الأولى التي تجري فيها المتاجرة بالحرب الأهلية، وأسبابها ونتائجها، في سبيل الفوز الانتخابي. وحتّى نوفّر على الأحزاب التفكير في حملاتها الإعلانيّة، وما دام الفلسطينيون هم كبش المحرقة المتّفق عليه، نقترح مجاناً هذه السلسلة من «البانوهات»:
- القوات اللبنانية تعرض صوراً لاجتماعات بشير الجميل مع القادة الإسرائيليين قبيل التحضير للاجتياح الإسرائيلي.
- حزب الوطنيين الأحرار يعرض صوراً للحليّ المصنوعة من الأعضاء البشرية للفلسطينيين، التي كان الرئيس كميل شمعون يفاخر بها أمام زوّاره الإسرائيليين.
- حركة أمل تعرض صوراً لحرب المخيّمات التي عرّضت الفلسطينيّين للعطش والجوع.
- الرئيس ميشال سليمان، إذا قرّر خوض الانتخابات وتأليف كتلته الخاصّة، يعرض صوراً من حرب تدمير نهر البارد.
- حزب اللّه يعرض صوراً للكوادر اليساريّين المتّهم باغتيالهم، الذين كانوا قريبين من المقاومة الفلسطينيّة.
- الحزب التقدّمي الاشتراكي يعرض صور قادته وهم ينسّقون مع الجيش الإسرائيلي خلال اجتياح بيروت وطردهم للمقاومة الفلسطينية منها.
- الجنرال ميشال عون يعرض صور مجزرة تل الزعتر.
- تيار المستقبل ينشر صوراً تظهر حماسة فؤاد السنيورة لتدمير مخيّم البارد وحماسة مماثلة لعدم إعماره.
سيحار عندئذ المواطن اللبناني أمام صندوق الاقتراع. فالسجل الوطني الأنتي ــ فلسطيني حافل لدى جميع الأحزاب والقوى. كلّ لبنان ضدّ التوطين. لكن، كلّ لبنان أيضاً ضدّ الحقوق المدنيّة الفلسطينية. كلّ لبنان وقف مع تدمير مخيّم نهر البارد. كلّ لبنان يتواطأ ضدّ إعادة إعماره.
المائدة عامرة، فاختر ما شئت أيّها الناخب.