هل يمكن استقراء مستقبل يهبّ فيه الرجال متظاهرين ضد تسليع صورتهم؟ من الأرجح أن هذا المستقبل لا ينتمي إلى فئة «الخيال العلمي»، فمنذ عدة سنوات، بدأت شركات مستحضرات التجميل تلتفت للرجال، وتعتني ببشرتهم. اليوم، تتوسع هذه الظاهرة وتمتد إلى الدول العربية أيضاً، وفي مقدمتها لبنان، الذي شهد افتتاح أول مركز يعنى بتجميل المظهر وتغييره، كما أنه يتطرق إلى تجميل السلوك، فيدرّس «الأتيكيت»
رنا حايك
«الكثير من الزبائن يفضّلون الخصوصية. وأنا أيضاً أفضّلها، لذلك أحافظ على السّرية في عملي». لا يلتقي زبونان في صالون التجميل الأول من نوعه في لبنان، والكائن في محلة الجميزة، .“Express relooKING”
اختصاص الصالون الاهتمام بجمال الرجل، وأناقته ووسامته. ويرى صاحب الصالون، ملك جمال لبنان السابق، وسام حنا، أن هذه القاعدة ضرورية جداً حتى يشعر الزبون «كأنه في بيته»، أي بما يحافظ على سرية لجوئه إلى اختصاصيين من أجل تحسين شروط وسامته.بياض عرائسي ناصع يسطع في أرجاء غرفة الاستقبال الواسعة. بياض يكسو الجدران والستائر، تخفف من حدّته خطوط الفضة على كنبات من طراز لويس السادس عشر تنتشر في أرجائه، بينما تكسر رقّته أرض إسمنتيّة هدفها تحقيق التوازن بين الرقة والرجولة. الأثاث قليل ولكنه في مكانه وفخم. ما يشير إلى خيارات ذكورية بامتياز، لكون النساء يفضلن عادة الإضافة إلى الأساسي الكثير من الأغراض التي تنتمي إلى الكماليات.
«لم يكن هذا التصميم الداخلي اعتباطياً، فقد درسناه مليّاً قبل تنفيذه. أردت توفير الراحة التامة للزبون، لذلك ابتعدت عن اختيار الألوان الفاقعة والمذهّبة والمخمل الأحمر الملوكي. فهي تتعب النظر، بينما الأبيض يساعد على الاسترخاء. في المقابل، أبقيت الأرض إسمنتية لتعكس خشونة الرجال».
كان لا بد من صالون خاص بالرجال بعد التطور الذي طرأ على صورتهم وعلى دورهم الاجتماعي. فالإعلام أصبح يعمّم صورة نموذجية عن المظهر يلهث شباب العالم المعولم لإدراكها والتمثّل بها، بينما يخصّص الغرب جزءاً كبيراً من إنتاجه في مجال البرامج التلفزيونية لمسألة تبديل المظهر وتحسينه عند الجنسين. ليست مسألة الاهتمام بالمظهر دخيلة على التراث الذكوري الشرقي، فالحمامات التركية استقبلت أجيالاً متعاقبة من شرقيين تمرغوا بالطين و«دعكوا» لقشر الجلد الميت عن أجسادهم، فيما عمدت بعض صالونات التجميل النسائية منذ فترة إلى استحداث قسم خاص بالرجال، بينما أضافت محالّ حلاقة الشعر والذقن إلى لائحة خدماتها خدمة تقليم الأظافر.
إلا أن كل ذلك لم يعد كافياً لمتطلبات العصر. وبالنسبة إلى شاب في مجال عرض الأزياء والإعلانات، في بلد بدأت فيه هذه المهنة تستقطب الكثير من شبّانه، لاحظ وسام حنا من خبرته الشخصية غياب خدمات أصبحت أساسية له، فافتتح صالون التجميل الأول من نوعه في لبنان منذ حوالى شهرين.
«إكسبرس ريلوكينغ»، هو صالون تجميل يقدم خدماته إلى الرجل أساساً، ولكن ليس بطريقة حصرية، فهو لا يرفض استقبال النساء، وخصوصاً ضمن عروض الأعراس.
وهو ليس صالون تجميل فقط، إذ تتطرق بعض خدماته إلى تعليم فن اللياقات الاجتماعية، دروس تقدّمها إيمي سكّر، المتخصصة في شؤون «الإتيكيت»، تحت عنوان «كيف تكون جنتلمان». كما يتطرّق بعضها الآخر إلى نوع مستحدث من الخدمات كان موضوع دراسة حنا في تركيا:
«الريلوكينغ» أو كيف تبدّل مظهرك.
يستقبل حنا الشباب والرجال الراغبين في تبديل مظهرهم. يتناقش معهم ليتعرّف إلى شخصياتهم، ويقدم إليهم، بناءً على ما يستشفّه من طباعهم، واستناداً إلى رغباتهم، نصائح بشأن الشكل الأكثر ملاءمة لهم. بعد ذلك، يصطحبهم إلى محالّ الألبسة ويساعدهم على اختيار نمط جديد من الثياب بحسب ما يليق بمواصفاتهم الجسدية.
قد يدخل الرجل إلى الصالون مدفوعاً بفضوله أو بالضرورة، حسب ما يذكر حنا، لكن اللعبة سرعان ما تروقه: «يأتي بعض الرجال للضرورة. فالاهتمام بالشكل لم يعد مجرّد «فذلكة»، بل إنه يصبح ضرورة، وخصوصاً لدى رجال الأعمال، وهم الشريحة الأكبر من زبائني».
يعزو حنا لجوء الرجل الشرقي إلى تجميل نفسه لأسباب تتعلّق بتطور سوق العمل، الذي أصبح يولي أهمية كبيرة للمظهر لدى إجراء مقابلة للحصول على عمل واجتماعات البزنس مثلاً. ففي هذا المجال، يؤدي المظهر دوراً مهماً. كذلك، يعيد الأسباب إلى التطور «من العمل بالأرض إلى العمل في مكاتب».
اعتقد حنا أن الشريحة الأساسية التي سيستقطبها الصالون ستكون فئة الشباب، لكنه فوجئ بكثرة الزبائن الذين تتخطى سنّهم الأربعين عاماً، وخصوصاً رجال الأعمال الخليجيين. فهؤلاء يشعرون فجأة بتعب بشرتهم، وبأهمية الحفاظ على شبابهم، ويكون التعامل معهم أسهل لأنهم يرغبون في التغيير.
يدخلون بقليل من الخجل لا يلبث أن يتلاشى بعد أن يشعروا بالأمان والراحة. ففي هذا «الكهف»، يقتربون أكثر من عالم النساء الخفي، وفيه يخلقون طقوس الحداثة الخاصة بهم: تقليم الأظافر وماساج الوجه، فرك الجسد لقشط الجلد الميّت بمستحضر يشرح حنا أنه زهرة تستورد من جبال الألب الفرنسية، العلاج بالليزر، نزع شعر الجسد بالشمع، إلخ..
من قال إن الاهتمام بالمظهر سمة نسائية؟ فبعد اليوم، لن يقتصر «دلع» الرجال على «طبخة غير شكل» و«فتّية ورق مع الشباب بالقهوة»، بل سيتضمن قضاء يوم كامل في «البيوتي صالون» وعلاجات بزهور نادرة.