أمل عبد اللهالمخزون الوراثي أو الحمض النووي الذي نحمله (DNA) يحدّد ما نحن عليه، وكيف نتعاطى مع محيطنا. لكن دراسات أجريت أخيراً أظهرت أن للمحيط الاجتماعي أثره على الـ DNA. هذا الاستنتاج ليس جديداً، فقد تداوله باحثون، ولكنه اليوم بات محور إجماع أكبر كما يقول البروفيسور جين روبنسون أستاذ العلوم العصبية في جامعة الينوي، والمشرف على دراسة عن خصائص الـ DNA. الجينات التي تحويها خلايا الدماغ ليست ذات نشاط مستقر، بل إنها تنشط وتخبو طبقاَ لإشارات داخلية وخارجية اجتماعية. وهذا التغيّر الجيني يؤثر بدوره على وظائف الدماغ والسلوك الاجتماعي.
بفضل الخرائط الجينية التي وُضعت لحيوانات ذات نشاط اجتماعي، بالإضافة إلى تقنية الـ micro array التي تسمح بملاحظة آلاف الجينات دفعة واحدة، تعمّق العلماء بفهم العلاقة الديناميكية والتفاعلية القائمة بين الجينات والسلوك.
وكانت التجارب التي أجراها العالم دايفيد كلايتون على الطيور المغرّدة عام 1992 هي الشعلة التي أضاءت الطريق لفهم هذه العلاقة. فقد وجد أن إحدى الجينات الموجودة في القسم الأمامي من دماغ طائر الدوري تنشط طبيعياً بمجرد سماعه أغنية جديدة من ذكر آخر من الفصيلة نفسها. ويؤثّر هذه الجين بدوره، على نشاط مجموعة أخرى من الجينات. وخلص كلايتون إلى وجود تأثير قوي للتفاعل الاجتماعي على نشاط الجينات.
وقد قام روبنسون بتجربة مماثلة ولكن بإطار أوسع على النحل، ووجد أن آلاف الجينات تتذبذب في نشاطها تبعاً للمثيرات الاجتماعية. إحدى هذه الجينات تدعى for لأنها تضطلع بعملية البحث عن الطعام أو foraging.
من المعروف أن النحل العامل يبدأ بالعمل داخل الخلية، ثم يبحث عن مصادر الطعام في الخارج. وقد وجد روبنسون أن نشاط for يزداد كثيراً مع تحول النحل للعمل من داخل الخلية إلى خارجها. كما وجد أن غياب الفيرومونات التي يفرزها النحل العامل خارج الخلية، وهي روائح بمثابة إشارات لتحقيق التوازن في عدد العاملات داخل الخلية وخارجها، يزيد من نشاط هذا الجين، مسرّعاً انتقال النحل إلى مرحلة البحث عن الطعام. وأظهر أن هذه التغيرات الجينية تحدث خلال فترات لا تتجاوز دورة حياة النحل.