محمد زبيبغالباً ما يغرق المحللون اللبنانيون بالشروح التقنية لأزمة الأسواق المالية العالمية، ليخلصوا إلى أن لبنان بقي في منأى عن هذه الأزمة، لأن مؤسساته المصرفية والمالية لم «تتورط» بالتوظيفات «المسمومة»، التي شكّلت ما يسمى فقّاعة الرهون العقارية. طبعاً، يتم التجاهل، عن قصد، لكل العوامل التي أفسحت المجال أمام نموّ هذا النوع من التوظيفات وازدهاره في العقود الثلاثة الماضية، وهي العوامل نفسها التي يتم الترويج لها في لبنان باعتبارها الدليل الدامغ على «المعجزة» و«العبقرية» اللبنانيّتين.
فالأزمة أسقطت، قبل أي شيء آخر، مقولة عدم وجود مشكلة في ارتفاع حجم أصل الدين العام والخاص، ما دامت هناك قدرة على ابتكار «الهندسات المالية» لإعادة تدوير هذا الدين وخدمته، وهنا تبرز الحالة اللبنانية كنموذج فاضح لخطر استمرار التمسك بهذه المقولة، إذ إن الحكومة والمؤسسات والأُسَر باتت مثقلة بفاتورة ديون تتجاوز كثيراً القدرة على التحمّل بكل المعايير. ويعدّ ارتفاع الدين التعبير المباشر عن معادلة الثراء الذي يقابله المزيد من الفقر، بمعنى أن تحقيق المزيد من التركّز في الثروة يؤدي إلى تحفيز المزيد من الاستهلاك، ويخلق المزيد من الحاجات التي يستحيل تمويلها إلا بالمزيد من الديون... وكل ذلك يؤدّي إلى نموّ الاقتصاد الريعي (الوهم) على حساب الاقتصاد الحقيقي.
لقد ارتفع عدد الجياع في العالم إلى ما لا يقل عن مليار نسمة (44 مليوناً منهم بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود أخيراً)، وفي الوقت نفسه ارتفع عدد الأثرياء إلى 10.1 ملايين ثري يمتلكون أكثر من 40.7 تريليون دولار في عام 2007... هذا السباق بين الفقر والثراء أسهم في زيادة حركة الأموال في العالم إلى أكثر من 100 ضعف حركة التجارة بالسلع والخدمات!
يمكن لأيٍ كان تلمّس أوجه التشابه بين هذه المؤشرات والحالة اللبنانية، إذ إن القطاع المالي راكم موجودات تبلغ أكثر من 90 مليار دولار في ظل اقتصاد لا يتجاوز حجمه 23 مليار دولار، أي أكبر بأربعة أضعاف تقريباً، وارتفعت الديون العامّة والخاصة إلى أكثر من 70 مليار دولار، فيما 10% من المودعين باتوا يمتلكون حوالى 85% من الودائع، ويستأثرون بحوالى نصف الإنفاق الاستهلاكي على الصعيد الوطني.