محسن العريضيالسلام عليك أيها الشيخ الشهيد وعلى من بجوارك من الأولياء والملائكة، حيث جنة الخلد التي لا يدخلها إلا الشهداء والمتطهرون. أيها الشقيق والأب والقائد، بعد ستين يوماً لم نصدق الفاجعة بعد، عرفناك فتىً ممتلئاً نشاطاً وحيوية. كم كان لك صولات وجولات في السبعينيات، مطلع الحرب الأهلية، وجاءت سنوات الثمانينيات حيث كنت لمدة سنتين المفاوض الأرجل والأقدر بتوصيل الرسائل التي لو أخذوا بها لما وقعت الحرب الأهلية في لبنان. وقادة تلك المرحلة الأحياء منهم والأموات يعلمون يوم وقفت في منزل الوزير توفيق عساف وقلت للمجتمعين «نحن في الجبل والحركة الوطنية صف واحد، لا تأخذونا بالمفرق، تعالوا نتفق على لبنان للجميع ولا نستقوي بأحد». عندها سلّطت عليك الأضواء وبدأ مسلسل الاغتيالات، ففي ربيع عام 1982 كانت أول محاولة اغتيال في بلدة سوق الغرب، كان ردك عندما ترجلت من السيارة وصرخت بالهاربين «أطلقوا النار علي مباشرةً أيها الجبناء».
يوم الاجتياح الإسرائيلي كنت أول من أطلق النار على العدو يوم كان الجبل محاصراً، كنت أول من يقود الآليات العسكرية وينظم القوى حتى أصبحت أول المطلوبين للعدو في تلك الفترة، كنت تلتحف السماء وتفترش الأرض ولم تساوم على المبدأ والقضية.
ثم جاء اليوم الذي ما كنا نتمناه، حرب الجبل وأيلول الأسود في عام 1983، عندما تنقلت من بيصور إلى بحمدون إلى بيروت إلى الإقليم، ومن الشحار إلى سوق الغرب وغيرها من المناطق والقرى. عندما ذهبت ممثّلاً عن الحزب الاشتراكي إلى الاتحاد السوفياتي لحضور مؤتمر الأحزاب الاشتراكية العالمية، يومها لم توافق على دخول قاعة المؤتمر لأن حزب العمل الإسرائيلي في الداخل، وقلت «لن أجتمع بأعدائي ولن أساوم على فلسطين»، وجلست في ردهة الفندق الرئيسية ولم تدخل، عندها سأل وفد فلسطين «من هو الشيخ صالح العريضي» وجاؤوك متضامنين.
في تلك المرحلة من حرب الجبل تعرّض العريضي إلى ثلاث محاولات اغتيال، اثنتان في بلدته بيصور، وواحدة في بلدة بقعاتا في الشوف، لإعادة الشقاق اليزبكي ـــ الجنبلاطي بسبب العلاقة الوثيقة التي كانت تربطه بالقائد الشهيد أنور الفطايري، فما كان منه ومن الوالد الشيخ فرحان العريضي إلا، كما يُقال، «العفو عند المقدرة»، وكان العفو حفاظاً على الوحدة، ولكن لا تُنسى تلك الوقفة البطولية للشهيد أنور الفطايري عندما قال «إذا اغتيل الشيخ صالح العريضي بدي أحرق الأخضر واليابس». نعم يا شيخ الشهداء، إنّ مسلسل الاغتيال الذي رافقك طيلة حياتك لم ينل من عزيمتك بل زادك صلابة، حيث كنت تؤمن بأن الشعب اللبناني هو الذي عليه أن يداوي نفسه بنفسه. ومضيت مع الشهيد الفطايري في لجنة الحوار الدرزي المسيحي لعودة المهجرين.
يوم استقلت من الحزب الاشتراكي، اتهموك بأنّك «نقلت البارودي من كتف إلى كتف». كم حوربت معنوياً ومادياً، وكم حاولوا رشوتك وكنت بحاجة القليل، كم هدّدت ولم تخضع بل ثبتّ وأيقنت أن غداً لناظره قريب. صيف عام 1998، كان اللقاء الأول مع الأمير طلال أرسلان ومسيرة عشر سنوات ختمت بالشهادة، عشر سنوات إلى جانب أرسلان الذي كان وما زال يجسد النهج والقضية العربية الوطنية التي آمنت بها وأدرجتها بمنطق جديد، حيث أسست معه الحزب الديموقراطي اللبناني بمبادئه الوطنية والعربية والإنسانية، إيماناً بالمقاومة طريقاً للتحرير.
اطمئنّ، رفاقك في الحزب مستمرون وماضون على درب الشهادة، كيف لا وأنت شهيدهم السياسي الأول، لكنهم ما زالوا ينتظرونك في المجلس القيادي مناقشاً ومحاضراً ومتنبئاً بما سيأتي، يتذكرونك في أشدّ الساعات عندما كنت تقول «ما تسمعونه من الأقوال عن المعارضة إنما يُقال فقط لتحطيم معنوياتنا. هذا الخط سينتصر، وما هي إلا شهور حتى جاء النصر الإلهي في تموز وولّى عصر الهزائم وجاء عهد الانتصارات، لأجل مواقفك بالمعارضة وتعبئتك الدائمة عندما قررتم التظاهر، تعرضت للابتزاز في مدينة عاليه، وكما دائماً تجمهر الرفاق للرد فقلت لهم «مش وقت الرد، حتى لا ننزلق إلى الفتنة». اسمح لي يا أخي: لقد كان عدم الرد على هؤلاء الصغار وأسيادهم الخطيئة الكبرى آنذاك! المعارضة انتصرت والمقاومة انتصرت وعميد الأسرى سمير القنطار ورفاقه الأبطال تحرروا، بيروت عادت والجبل عاد ولبنان باق ثورة حتى التحرير.
في السابع من أيار كانت وقفتك الكبرى، وكأنه مشروع الشهادة، ذلك اليوم الذي توّجت فيه ملكاً للوحدة الوطنية وفرضت على الأقطاب الهدوء وقلت «لا للسلاح بالداخل، إن السلاح فقط لمقاومة المحتل»، أيضاً بدأت بمسيرة الإصلاح، وكنت من الذين وضعوا الحجر الأساس لمؤتمر الدوحة، وجعلتم حكومة الوحدة الوطنية تبصر النور. طُرح اسمك وزيراً، ولو طال بقاؤك لكنت ربما نائباً في الاستحقاق المقبل، وهذا سؤال كبير.
هنيئاً لك نسر الجبل، ها هي هبة الله إليك، إنه تقبلك من الشهداء كما تريد شهيداً شهيداً شهيداً.
عرفناك كبيراً صالحاً بحياتك وباستشهادك، أولست الشهيد الأول الذي أجمع عليك اللبنانيون، وتحت اسمك كان الاجتماع الأول بديوان الأمير طلال أرسلان بين حزب الله والحزب الاشتراكي؟
إنّ العدو وعملاءه خلف الجريمة، وعلى الدولة والقضاء إثبات المصداقية والشفافية في هذا التحقيق، فقد طرأ دخلاء على التحقيق وهم بمحط الأنظار، لذا نحذر الجميع: الكل متهم حتى تثبت البراءة ويكشف التحقيق.