مع فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية، يعود «الديموقراطيون» إلى البيت الأبيض، فهل سيُستعاد الصراع بين «مايكروسوفت» والإدارة الأميركية؟ وخاصة أن فوز أوباما جرى فيما تشهده بلاده والعالم أزمة مالية كبيرة، ولا يمكن إنكار دور الشركات الكبرى في تكريس المفاهيم الاقتصادية التي سببت الأزمة

غسان رزق
عندما تخطو قدماه أروقة البيت الأبيض، فالأرجح ألّا يجد الرئيس الأميركي باراك أوباما شواهد حيّة على هزيمة الإدارة الديموقراطية أمام شركة مايكروسوفت في «المنازلة» الهائلة التي دارت رحاها بينهما في أواخر التسعينيات من القرن الماضي. وقد وصفت بعض الصحف تلك المعركة بأنها «حرب البيلين» في إشارة إلى الصدام بين الرئيس بيل كلينتون وبيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت. والأرجح ألا يكون أوباما، بعيداً عن أجواء تلك الحرب التي عزمت إدارة كلينتون خلالها على أمرين أساسيين:
الأمر الأول هو إرغام «مايكروسوفت» على فتح شيفرة المصدر Source Code لنظام تشغيل الكومبيوتر «ويندوز». وتعني هذه الخطوة، لو تمّت، أن أي مُبرمج يستطيع صنع برنامج كومبيوتر، ثم مواءمته مع نظام «ويندوز» أو أي نظام تشغيل آخر. ويتمكن المبرمجون الأكثر قوة من صنع نُظُم تشغيل تتعامل مع كل برامج مايكروسوفت. باختصار، كان لتلك الخطوة أن تُطلق عالماً جديداً وتاريخياً جديداً في المعلوماتية والاتصالات،
الأمر الثاني يتمثل في تفتيت «مايكروسوفت» إلى شركات أصغر حجماً، باستخدام قانون منع الاحتكارات والكارتلات، وقد جرى التركيز على ضرورة فصل برنامج الإبحار على الإنترنت «إكسبلورر» عن نظام التشغيل «ويندوز»، وهو أمر تحقّق لاحقاً ولكن بطرق أخرى. وفي تلك المنازلة التي اختتم بها القرن العشرون، فشل كلينتون في الفوز بحكم قضائي يحقق هدفيه. ونُظر إلى انتصار مايكروسوفت على أنّه انتصار للنظريات النيوليبرالية في الاقتصاد.



بعد هذه المنازلة تحدثت الصحف الأميركية تكراراً عن تأييد «مايكروسوفت» القوي لمرشح الحزب الجمهوري، حينها، جورج دبليو بوش ضد آل غور، الذي احتل منصب نائب الرئيس في إدارة كلينتون.
إثر تلك الحرب المعلوماتية ــ القضائية، انهارت «فقّاعة الإنترنت»، والأرجح أن أشياء كثيرة مما تجري راهناً قد أعادت ذكريات الصراع بين الحزب الديموقراطي ومايكروسوفت.
في سياق «حرب البيلين» في ختام القرن الماضي، تمسكت «مايكروسوفت» باستماتة بمفهومها عن حقوق الملكية الفكرية الذي يتطابق مع مفهوم كثير من الشركات العملاقة في المعلوماتية والاتصالات المتطورة، كما في غيرها من الصناعات. واستطراداً، فلا فرق هنا بين مفهوم الملكية الفكرية عند «مايكروسوفت» كما عند شركة «مونسانتو» الأميركية العملاقة التي تعمل في حقل الحبوب المُعدّلة وراثياً. واستطراداً، فإن نشر الحبوب المُعدّلة وراثياً تلاقى أيضاً مع ترويج منظمة التجارة العالمية والصندوق الدولي، والاتحاد الأوروبي لمفهوم «الزراعة الأحادية»، فأسهما في صنع أزمة الغذاء العالمية. ولا أدل على ذلك من قول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (وهو يميني ومحافظ ومقرب من الحزب الجمهوري وإدارة بوش) إن الأزمة الغذائية هي نتاج ثلاثة عقود من السياسات الخاطئة، وخصوصاً الزراعة الأحادية. إذاً، هناك حرب مصالح هائلة تُرغم الجميع، وضمنهم الرئيس أوباما، على التنبّه لمصلحة من تجري إمالة دفة القرار في الاقتصاد والسياسة. وفي هذا المعنى، فالأرجح أن مسألة حقوق الملكية الفكرية قد تعود إلى ساحة النقاش بقوة، لذا، يجدر التذكير، وخصوصاً في العالم العربي الغافي عن هذه المسألة، بأن المفهوم الذي تتبناه الشركات العملاقة في تلك الحقوق لم يكن رأياً محايداً، بل إنه يعبّر عن مصالح تلك الشركات. لهذا، وُجد في الغرب دوماً من يتصدى له، على عكس الحال في العالم العربي. وربما علينا انتظار أن تهب رياح الحرية في مواجهة التسلط من الغرب.
ولعل أبرز من تصدّوا للمفهوم الضيّق والأحادي الذي تفرضه الشركات الكبرى في مجال حقوق الملكية الفكرية هو البروفسور لورانس ليسغ، من جامعة ماستشوستس، الذي رافع لمصلحة إدارة كلينتون أيام موقعتها مع مايكروسوفت، وبعدها، كرّس وقته لنشر مفهوم جديد، ينحاز للإبداع ولحقوق المواطن المعلوماتية والإلكترونية، وبات من مساندي كل من يتصدى لتلك المسألة الشائكة. «من لا يرى حتى الآن أن حقوق الملكية الفكرية تلقي أثقالاً على حرية التعبير، يكفِه أن يقرأ هذا الكتاب». بتلك الكلمات، وصف ليسغ كتاب «إشكالية حقوق الملكية الفكرية» Copyright s Paradox، من تأليف البروفسور نيل فاينستوك نِتانِل، وصدر هذه السنة عن مطبوعات جامعة أوكسفورد.
ويتناول نِتانِل الصراعات المُعاصرة بشأن ثقافة إعادة المزج «ريمكس» والنسخ المنتشرة في مواقع إلكترونية مثل «ماي سبايس» و«يو تيوب»، وفي موسيقى «الهيب ــ هوب» وفي صنع النماذج الرقمية. ومن الزاوية عينها، يستعرض النقاش الخلافي الحاد بشأن تقنية البحث في مُحرّك «غوغل» التي تُسجّل تحركات المستخدم وتُراقب المواضيع التي يتناولها والمواقع التي يزورها وغيرها.