خمس سنوات مرّت على إقرار قانون إنشاء محافظة بعلبك الهرمل، لكنّ شيئاً لم يتغير على أرض الواقع. القصة تبدأ من تعيين المحافظ، الذي وإن جرى التوافق على اسمه، فلن يجد كرسيّاً ليجلس عليه في مقر مليء بالمهجّرين
بعلبك ــ رامح حمية
الهرمل ــ رامي بليبل
باستياء عارم حمل مهدي جعفر 23 سنة إخراج قيد فردي له، منطلقاً في الصباح الباكر من بلدته «حوش السيد علي» قاصداً مدينة زحلة، التي تبعد ما لا يقل عن مئة كيلومتر. أربع ساعات متواصلة بالسيارة من أجل تصديق إخراج قيد، بخاتم وطابع مالي بألف ليرة. حال مهدي لا تختلف عن سائر أبناء قرى الهرمل والجوار، فهم يحتاجون أيضاً إلى الإدارات الحكومية في زحلة لتسيير أبسط معاملاتهم الحياتية الروتينية اليومية. ومع أن الحل لرفع هذه المعاناة موجود في أدراج الحكومة منذ خمس سنوات مضت، فإنه لم يظهر حتى اليوم أي «بصيص أمل» يعد بالتنفيذ، على الرغم من المطالبات المستمرة من نواب بعلبك الهرمل.
وبغض النظر عما تحتاج إليه المحافظة من إجراءات إدارية كثيرة، متأخرة في الزمان والمكان، فلا بد أنها ستنعكس إيجاباً على أبناء المنطقة، فإضافةً إلى السفر لمسافات طويلة، فإن بعض المعاملات قد لا تنتهي في يوم واحد مع ما يستلزمه ذلك من إضاعة للوقت، وتكاليف مادية كبيرة في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة.
أقرّ قانون إنشاء محافظة بعلبك الهرمل رقم 522 بتاريخ 16/7/2003 واستقبله أهالي المنطقة باللافتات المرحّبة والشاكرة، التي زيّنت الساحات العامة والشوارع وحتى الأزقة، لأن الخطوة أتت بعد مطالبات عديدة، وطول انتظار، لكونها سترفع المعاناة عن كاهلهم وستخرجهم من الحرمان والإهمال، إلا أن ما لم يكن في الحسبان هو أن يجري الإقرار من دون مراسيم تطبيقية تأذن ببدء التنفيذ، فسكن عندها القانون أدراج الحكومة، وبقيت بلاد بعلبك الهرمل رهينة المعاناة اليومية لارتباطها بمركز محافظة البقاع زحلة، فيما تاهت أسباب عدم التنفيذ بين التجاذب السياسي على تسمية المحافظ، وبين المكان المخصص للمحافظة (ثكنة غورو) ودفع التعويضات لقاطنيها المهجرين من عدة كوارث حدثت في لبنان، كتلّ الزعتر وأخواتها. وباستثناء الخرق الذي أحدثه وزير العمل السابق طراد حمادة في جدار القضية قبل أشهر، عبر افتتاحه مكتباً لوزارة العمل في مدينة بعلبك، فليس هناك من يعمل لتحريك الركود الحاصل على المستوى الحكومي في هذا الاتجاه.
النائب نوّار الساحلي أحد أبناء المحافظة الجديدة رأى أن مشكلة تعيين محافظ لبعلبك الهرمل هي بمثابة «قصة إبريق الزيت». وأكد النائب لـ«الأخبار» أن «تسمية المحافظ هي من ضمن الأمور الخاضعة للسياسة والتجاذبات»، وأن التعيينات الإدارية عالقة منذ سنوات، ولا بد من التوافق عليها كسلة متكاملة، مؤكّداً أن المشكلة موجودة «أيضاً في غيره من المراكز»، مشيراً إلى أن نواب التكتل تقدموا بمذكرة لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة منذ أكثر من شهر، تضمّنت مطلباً بتعيين محافظ لمحافظة بعلبك الهرمل، التي ما زالت اسماً على ورق. ونفى الساحلي أن تكون المطالبة بالتنفيذ تهدف إلى غاية سياسية أو طائفية أو حتى انتخابية، «بل هو مطلب إنمائي بحت»، ذلك أنه من غير المنطقي إلزام المواطن في الهرمل بالانتقال مسافة تزيد على مئة كيلومتر باتجاه زحلة من أجل أبسط المعاملات، فيما ستتقلّص المسافة إلى خمسين كيلومتراً باتجاه بعلبك. وأضاف: «لا وجود أيضاً لأي اعتبار انتخابي، فالتقسيمات الانتخابية بحسب القانون الحالي قد فصلت بعلبك الهرمل عن زحلة، وبالتالي لا عذر انتخابياً لذلك». ورداً على سؤال عن المكان المخصص لمكاتب المحافظة الإدارية (أي في ثكنة غورو)، أجاب: «المكان ليس العائق بل القرار السياسي، إذ عندما يجري تعيين المحافظ يصبح أمر المركز ثانوياً».
بدوره دعا النائب جمال الطقش إلى «الخروج من دائرة القول عن ملازمة الحرمان مع بعلبك ــ الهرمل بطريقة عملية، وإلى تجاوز الروتين الإداري». كما طالب الحكومة «بمعالجة مشاكل المنطقة على أكثر من صعيد، وأن تعمل بطريقة سريعة وحثيثة على تلبية حاجات المنطقة من خلال الإسراع في الاجتماع بأصحاب الآراء من نواب وغيرهم من فعاليات المنطقة، لأخذ ما لديهم من طلبات إنمائية أسوة بالمناطق الأخرى».
ويعتقد أبناء محافظة بعلبك _ الهرمل أن الفرصة مؤاتية هذه الأيام للسير بسرعة في الإجراءات الخاصة بمحافظتهم في ظل حكومة وحدة وطنية، وقرب الانتخابات النيابية التي كرّست بعلبك الهرمل دائرة انتخابية مستقلة، ولا سيّما أنّ هناك تصوراً وطرحاً للمكان الذي ستقام عليه المباني الإدارية بعد ترميم «ثكنة غورو» في بعلبك، وتسوية أوضاع النازحين إليها، على أن أهالي بعلبك الهرمل يأملون أن يجري تنفيذ مشروع إقرار المحافظة قبل الانتخابات، لا أن تبقى شعاراً سيوضع في البرامج الانتخابية للمرشحين كما أوضح أكثر من مرجع سياسي معني.
ويشير المحامي محمد علي أحمد إلى أن أهمية تنفيذ قانون المحافظة تكمن في «الإدارات التمثيلية للوزارات، التي ستدخل إلى المنطقة، والتي ستخلق مباشرة فرص عمل من جهة، وتيسّر مصالح الناس الحياتية والقضائية من جهة ثانية»، ولفت إلى أن الإدارات التي سترافق إنشاء المحافظة هي: «دائرة سجل عدلي ـ أمانة سجل عقاري ـ سجل تجاري ـ مصلحة لتسجيل السيارات والآليات ـ محكمة جنايات ـ فضلاً عن إدارات للأحوال الشخصية والتربية والصحة والزراعة». وأضاف أحمد إن: «المرسوم 11861/2004 أوعز إلى سائر الإدارات بالعمل خلال سنة من تاريخ هذا المرسوم (11شباط2004) على استحداث إدارات لها في المحافظة، لكن مرّت أربع سنوات دون أن تحرك أي من الإدارات ساكناً».
بدورهم أهالي البقاع الشمالي لم ييأسوا من المطالبة بما يرون أنّه حق مكتسب لهم، حيث تساءلت نلا السحمراني: «إلى متى سنبقى مهمّشين ومرتبطين بمدينة زحلة، حيث لا يتنبّه البعض للمعاناة التي نتكبّدها وأبناءنا للحصول على أبسط الخدمات حتى التعليمية منها، فالجامعات مركزها زحلة». ورأت أن تنفيذ القانون بات حاجةً ضرورية وملحّة لتقريب الدولة من المواطن ولإنماء المنطقة أيضاً».
عضو المجلس البلدي في بعلبك قزحيا شبشول، أشار إلى أن تكريس بعلبك مركز محافظة لمنطقة البقاع يوفر الكثير من العناء والجهد على أهالي المنطقة، ولا سيما أن البقاع هو المحافظة الأوسع في لبنان، وبعلبك تقع في وسط المنطقة. وقال: «إن وجود بعلبك في منطقة وسطية مع ما يلي ذلك من دوائر رسمية وجامعات ومؤسسات للدولة في المنطقة سيخفف الكثير من الأعباء المالية والتعب والوقت على المواطن في هذه المنطقة».
ويقول مختار الهرمل علي شمص: «إن إصدار المراسيم التطبيقية يريح المواطن في أمور كثيرة، إن لجهة قرب الدوائر الرسمية، أو لجهة سهولة إنجاز المعاملات التي ستتدنّى أعدادها نظراً لانفصال المنطقة عن جميع البقاع، فهناك الكثير من المواطنين الذين يعانون يومياً ابتداءً من الهرمل والبلدات المجاورة، وصولاً إلى بعلبك، من بعد الدوائر العقارية ومراكز الميكانيك، دون أن ننسى طلاب الجامعة اللبنانية». مردفاً إن الناس يعيشون ضغطاً كبيراً، إضافةً إلى الأعباء المالية التي يتحمّلونها لينهوا معاملاتهم.


مهجرو «ثكنة غورو» تحت خط الفقر

مشهد ثكنة غورو الواقعة خلف قلعة بعلبك الأثرية، استثنائي بامتياز، ويظهر ذلك أولاً من خلال أبنيتها الصفراء المتهالكة، وتخاشيبها الصغيرة المغطاة بألواح «الزنك».
وبمجرد دخولك إلى «الثكنة الفرنسية» التي من المقرر أن تصبح سرايا حكومية لمحافظة بعلبك الهرمل، تتراءى لك مظاهر البؤس والفقر المدقع. أكثر من 300 عائلة لبنانية، وحوالى 30 فلسطينية يعيشون تحت «خط الفقر» في الثكنة، بعدما هجّروا عام 1976 من منازلهم في الفنار وبياقوت والجديدة والمتن والرويسات ومخيمي الرشيدية وتل الزعتر.
رئيس لجنة المتابعة في الثكنة عبد الكريم نون أكد لـ«الأخبار»: «أن وضع العائلات صعب جداً، والجميع ينتظر المساعدة الوحيدة التي تصل إلينا من جمعية الإمداد الخيرية». ولفت الى أن «المهجرين ما زالوا بانتظار التعويضات العادلة من وزارة المهجرين كي يغادروا هذا المكان». وأضاف: «فيما لو استمرت المماطلة من الدولة فسوف نلجأ للاعتصامات قريباً».