رامي زريقمن أين يبدأ التغيير؟ وهل يمكن صناعة مجتمع عادل من دون تغيير الذات؟ وكيف يمكن مَن يعيش في الهدر والبذخ أن يكافح الفقر ويسعى إلى توفير العدالة الاجتماعية؟ تطرح هذه الأسئلة نفسها خلال المؤتمرات والاجتماعات وورش العمل الدورية التي تقوم بها الجهات المعنية بالتنمية، وعلى رأسها برامج الأمم المتحدة التي أصبحت لا تعدّ ولا تحصى. تجمع هذه المناسبات خبراء يأتون من كل أنحاء العالم ليتباحثوا في أمور هامة، كالفقر والأمن الغذائي والتغيّر المناخي والبيئة. ينتقلون إلى لقاءاتهم الخضراء على متن طائرات نفاثة تخرق الأجواء وتحرق الهواء. يجلسون في قاعات الفنادق الفخمة ويلقون الخطب والعظات التي تندّد بالاستعمال المفرط للطاقة النفطية. يصفون بدقة عجيبة الكوارث التي سوف تنجم، لا محالة، عن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وعن الاحتباس الحراري. وربما هو خوفهم من ارتفاع حرارة الكوكب الذي يدفعهم إلى حبس أنفسهم لفترات طويلة داخل قاعات مبرّدة. ما أروع تلك الاجتماعات، وما أجمل اللوحات الراقصة التي يقدمها الخبراء، والتي تضاهي بحيرة البجع بتعقيدها! يعرضون إنجازاتهم على شرائح إلكترونية مزيّنة بصور ملونة من بلاد الفقر والجوع. يناقشون، يتّهمون، ثم يتّفقون على... ضرورة تنظيم اجتماع آخر للتمعّن بالأمور ومتابعتها ومراقبة التطورات وتبادل الخبرات. بعدها، يهنئون أنفسهم على اجتماعهم الناجح وعلى قراراتهم الجديدة وعلى توصياتهم الصائبة، ثم ينتقلون إلى مائدة الغداء المزيّنة بأطعمة مميّزة جيء بها خصيصاً من كل أنحاء العالم، ربما على متن الطائرة نفسها التي نقلتهم. وفي اليوم التالي، يعودون إلى مراكزهم ليستعدّوا لرحلة تبشيرية أخرى، إذ إن في غيابهم ارتفع عدد الجياع في العالم إلى مليار نسمة.