أُسدل معرض «أرضي» الستار على دورته الثانية يوم الأحد الماضي، فحمل العارضون ما بقي من بضائعهم، وعادوا إلى ديارهم، وسط فرحة المنظمين بتجاوز عدد الزوّار لما كانوا يتوقعون، إذ تخطّى عتبة ربع مليون زائر
محمد محسن
انتهت إذاً فعاليات المعرض الذي مثّل حيّزاً سمح لمزارعي الأطراف بعرض منتجاتهم في العاصمة وتصريفها لأكثر من ربع مليون زائر. لكن هذه الوقائع، رغم إيجابيتها، لا تكفي للإجابة عن مجموعةٍ من الأسئلة ذات الطابع التنموي، التي ترتبط بمداخيل المزارعين، والدورة الاقتصادية والإنتاجية التي يخضعون لها على مدار العام، بالإضافة إلى إسهام هذا النوع من المعارض في تأمين معيشتهم، مع إمكان تحوّله إلى بديلٍ محتمل من مشاريع إعادة إحياء الأرياف. ورغم أن المنظّمين لم يدّعوا ذلك، إلا أن تجربةً كتجربة معرض «أرضي» تستحق المتابعة في هذا المجال.
كان واضحاً أن أهالي الأرياف قد استعدوا جيداً لهذا المعرض، إن كان على مستوى تحضير المُنتَجات الغذائية بحرفيةٍ عالية، أو على مستوى تنويعها واللعب بأسعارها وفق ما تقتضيه المنافسة. كذلك فإنّ الزبائن من أهل المدن وجدوا في باحة المعرض متنفساً غذائياً واقتصادياً، يغنيهم عن ميزانية سنوية تصرف في السوبر ماركت على المنتَجات الغذائية المعلّبة والمصنّعة.
يشرح نظام حمادة، أحد منظّمي المعرض، أهمية هذا الأخير في دورة المزارعين الاقتصادية، إذ يشير إلى «أن المعرض يسهم في تصريف جزءٍ من المحاصيل، وتوجيهها فوراً نحو الحلقة الأخيرة من الدورة الإنتاجية، وهي عملية التسويق، الأمر الذي يساعد المزارع على بيع محصوله، ولا يوقع الزبون في فخّ الاستغلال الناجم عن مرور المحاصيل في حلقات التصنيع والشحن التي تزيد كلفة السلعة الغذائية».
ويتابع حمادة حديثه عن فائدة التصنيع الغذائي بالنسبة إلى المزارع، فيؤكد «أن إنتاج الأرض الطبيعي لا يمكن تصريفه بالكامل. لذلك كان المزارعون يوزّعون الباقي منه مجاناً. أمّا الآن، فإن تصنيعه الغذائي يتيح لهم فائدتين: الأولى هي تصنيع المؤن البيتية، والاكتفاء الذاتي منها، والثانية هي توفير قدرة شرائية في أياديهم، نتيجة بيعهم لهذه الصناعات هنا في المعرض». فمن خلال هذه القدرة الشرائية، يصبح باستطاعة المزارعين سدّ جزءٍ من حاجاتهم السنوية على مستوى متطلبات الحياة، من تعليم وملبس وطبابة. وبما أن الجانب الاقتصادي غير منفصل عن الجانب الاجتماعي التنموي، يؤكد حمادة أن «المعرض يسهم في تثبيت المزارعين في قراهم، لأنه يوفّر لهم سوقاً موسمياً لتصريف إنتاجهم».
فالمعرض يوفر صلة الوصل بين المزارع الريفي وزبونه المستهلك في المدينة، غير أنّ جميع هذه الإيجابيات لا تغني، بحسب حمادة، عن «ضرورة وضع خطّةٍ متكاملة يكون هدفها إعادة إحياء الأرياف، تعود على الدولة مسؤولية إرسائها».
لم تختلف آراء المشاركين عن آراء حمادة، إذ أكّد جميع من التقتهم «الأخبار» إيجابية هذا المعرض.
سيلفانا المقداد، من لاسا ـــــ جبيل، تتحدّث عن تفاؤلٍ تردّه إلى تجربة العام الماضي حين «صرّفنا إنتاجنا، والمعرض فرجها علينا، إذ نبهنا إلى استغلال موارد في قريتنا، لم نكن نستثمرها من قبل».
نتّجه بقاعاً، حيث تتحدّث ندى صابر من منطقة خربة قنفار عن مردودٍ مالي هام يوفره المعرض، ليس من طريق بيع بعض البضائع الموجودة في جناح العرض فحسب، بل «بسبب العلاقات التي فتحها أمامنا، حيث توافر عدد من الزبائن الذين أصبحوا يقصدوننا طول العام، للحصول على منتجاتٍ طبيعية». قبالتها، تقف موندا رجب من بلدة حاريص الجنوبية، لتؤكد «أن البيع في المعرض أفضل بكثير، من البيع في القرية، حيث يعدّ الأهالي مؤونتهم بأيديهم، ويخف الطلب عليها كثيراً»، رغم إشارتها في الوقت ذاته إلى أنّ «المعرض لا يكفي لسد حاجاتنا مدى العام»، وذلك لأنه محدود بمدة زمنية قصيرة، ما يدفعها إلى المطالبة بتنظيم معرضين في العام، محددة موسم قطاف الزيتون حدّاً فاصلاً بين المعرضين.
أما شمالاً، من زغرتا تحديداً، فيؤكد عادل عويس أنّ المعرض «قد يوفر مدخولاً على المستوى الفردي، لا على مستوى الجماعات أو التعاونيات المشاركة».
أبدى غالبية التجار انزعاجهم من ارتفاع حدّة المنافسة، الأمر الذي دفع ببعضهم إلى رفع جرعة «الإغراء» في عروضهم، وتقديم حسوماتٍ تجاوزت عشرين بالمئة. لكن الجميع، في النهاية، أكدّوا إيجابية المعرض، التي تكمن خصوصاً في ما تتيحه من نسج علاقاتٍ تجارية مع زبائن المدينة.
كثيرون منهم اقترحوا أن يكون المعرض ثابتاً، أو أن يقام لأكثر من مرّة سنوياً، طرح أكّد المنظمّون أنهم بصدد دراسته، على أن يتخذ شكل معارض ثابتة في المناطق، تتيح التواصل بين المدينة والريف، وتحدّ من النزوح نحو المدينة.