كثر تضامنوا مع الفلسطينيين في العالم، ولكن كيف ينظر الفلسطينيون لتلك الوفود؟ من بين «الأفكار» غير المباح بها أمام «الضيوف»: أن الغربيين يقومون بذلك لكسر روتين حياتهم بنوع من السياحة السياسية. أنا أيضاً فكرت هكذا، إلى أن التقيت ياني روبس وكلود هيناف.
قاسم س.قاسم
«بعد ما رأيناه في المخيمات الفلسطينية؟ من المستحيل أن نكمل حياتنا دون أن نفعل شيئاً». هذا ما قاله ياني روبس وكلود هيناف عندما سألناهما عما كان يعتمل بداخلنا. فالفرنسيان الآتيان من مقاطعة «بريتاني»، لتحضير سفر 12 فلسطينياً وفلسطينية من مخيم عين الحلوة إلى فرنسا لقضاء عشرة أيام هناك، اختارا طريق «الجنوب» الكبير، بدلاً من «طريق الشمس» التي يقطعها الفرنسيون في عطلتهم السنوية نحو الدفء في جنوب البلاد. أما طريق الشمس الخاصة بروبس وهيناف فأوصلتهما إلى فلسطين المحتلة ثم إلى مخيمات لبنان.
تعرّف كلود على معاناة اللاجئين، كانت إثر قراءته مقالاً. كان يعمل وقتها مع جمعية «كوليبري» في فرنسا. إلا أنه بعد قراءته المقال، أعرب لمسؤوليه عن رغبته بالاشتراك بأي مشروع قد يكون له علاقة باللاجئين. المهمة الأولى كانت عام 94 في لبنان، حيث حطّ رحاله في «حديقة السلام» بصيدا تلبية لدعوة «جمعية التضامن والتنمية» لدمج الأطفال المعوقين الفلسطينيين واللبنانيين. شدّ انتباهه «تقارب البيوت بعضها من بعض، والكثافة السكانية العالية. أما ما صدمني فمشهد الأسلاك الكهربائية المتشابكة والمنتشرة في فضاء المخيم وحتى على الأرض». لم تكن زيارة كلود سياحية إذاً. فقد ودّع أصدقاءه في فرنسا، وبينهم يانّي، ليأتي إلى لبنان ويقيم فيه ويأخذ وقته في التعرف على مشاكل اللاجئين. بعد انتهاء مهمته الأولى مع الأطفال في صيدا، انتدبته الجمعية ليذهب إلى النبع، فلسطين. كانت المهمة تصنيف الإعاقات في قطاع غزة والضفة الغربية. انتهت مهمة كلود فقفل عائداً إلى فرنسا. لكن، لم تغب الصور التي رأها عن باله، فكان يخبر أصدقائه، مفصحاً عن نيته «جمع التبرعات في فرنسا».
يأخذ ياني دفة الكلام بإنكليزية «خاصة» تميز الفرنسيين «أثار كلود فضولنا، فعزمنا على المجيء للمعاينة بأنفسنا». زيارة يانّي الأولى للمخيمات كانت في عام 2004. اختار يانّي، قضاء إجازته، هنا، في عين الحلوة. أثّر نمط عيش المخيمات العشوائية عميقاً في نفسه، لدرجة أنه لا يجد حرجاً، وهو من الجيل الثالث بعد الحرب العالمية الثانية، من تشبيهها بـ«غيتوات النازيين». وأوجه الشبه لا تتلخص «بكثرة نقاط التفتيش على مداخل المخيم، أو حرمان هؤلاء من حقوقهم الأساسية، الكثافة السكانية، ودرجة الفقر «، يقول يانّي. ولذلك، قرر العودة كل إجازة مضحّياً براحته السنوية. في رحلاتهما المتكررة، تعرّف كلود وياني على الجمعيات الأهلية في عين الحلوة. وبدأ الأخير العمل مع «جمعية أجيال» كمنسق مشاريع للجمعية. أما كلود فقد بقي منسقاً في لبنان لمشاريع جمعيته الأم «كوليبري». باتصالهما المباشر بالفلسطينيين، اطّلع الفرنسيان على الخلافات الفلسطينية الداخلية، وخصوصاً في مخيم «مليء بالمسلحين كمخيم عين الحلوة» كما يقول يانّي. لم تخف الصبغة التي وشم بها المخيم على الفرنسيين، ولا كل ما رأياه من مظاهر مسلحة، إلا أنهما لاحظا أيضاً «كبرياء اللاجئين واحترامهم الكبير، كباراً وصغاراً لأنفسهم» كما يقول كلود. عاد ياني إلى فرنسا بعد انقضاء إجازته ليصبح رسولاً لهموم اللاجئين ولقضيتهم في فرنسا. «الهدف تعريف الفرنسيين بمعاناة اللاجئين وشرح أحقية القضية الفلسطينية»، حسب يانّي. الأخير قام و«جمعية كوليبري» بنشاطات عدّة لجمع التبرعات، كانت «تضمّ الكثير من الفرنسيين والقليل من العرب» كما يضيف يانّي بابتسامة طفيفة. «نشاطاتنا كانت تتنوع من بيع اللوحات إلى خبز المناقيش في الساحات العامة من أجل جمع المال». يفتخر يانّي بأنه «جمعنا حتى الآن تسعين ألف دولار، ستُقدّم إلى الجمعيات الأهلية الموجودة في مخيم عين الحلوة». أما اليوم فإن إجازة يانّي في آخر أيامها. لكنه، ولو عاد إلى فرنسا، فباستطاعته إكمال «المهمة». فالفلسطينيون أنفسهم سوف يأتون إليه في فرنسا. فقد اختارت «جمعية أجيال» 12 فلسطينياً من مختلف الانتماءات السياسية لرحلة إلى فرنسا. لن يكون شباب المخيم الصيدواي وحيدين في فرنسا، فهناك، سيلتقون فلسطينيين مثلهم، ولكن من الجليل في الوطن المحتل. «نريد أن نرى ردة فعلهم عندما يلتقي فلسطينيو الداخل بفلسطينيي الشتات». تنظر إلى المتكلم وهو يتابع حديثه، وفي قلبك وخز صغير. «ليتني كنت معهم».
لكن، لن تكون هذه الرحلة يتيمة. ستليها رحلات عدة من كل المخيمات، كما يؤكد الرجلان. لكن ما سيحدد ذلك «مدى نجاح هذه الرحلة، يقول ياني، إذ إننا نواجه بعض المعوقات من السفارة الفرنسية للحصول على تأشيرات دخول».
إذاً، سيخرج 12 محظوظاً ومحظوظة من المخيم لينظروا «بعين الحلوة» إلى فرنسا ما، فرنسا الثورة الفرنسية الحقيقية التي لطالما وقفت إلى جانب أصحاب الحق. لكن هذه النظرة، للأسف، لن تدوم أكثر من 10 أيام ، يعودون بعدها إلى مخيماتهم. وقد يمكن القول، إن من شرب من مياه المخيمات، ولو من خلال نشاط اجتماعي، لا يمكن إلا أن يعود إلى تعاطي السياسة. يعترض يانّي وكلود على طريقة تعاطي بعض الجمعيات الفرنسية والأهلية في لبنان مع شؤون اللاجئين. ينتقدان «اليسار الفرنسي الذي يرفض تقديم المساعدات إلا من خلال اليسار اللبناني». أما الجمعيات الأهلية «في المخيم، فبعضها لا يساعد إلا بطرق استنسابية» كما يقول يانّي بحدة.
لا يبدي كلود اعتراضاً على كلام صديقه الجالس بقربه في مكاتب «الأخبار»، الذي كانت انفعالاته تزداد كلما تقدم الحديث. يرفض يانّي وكلود، من حيث المبدأ، الدخول في زواريب السياسة. لكن ياني، الأجرأ، يبدي سخطه على الحكام العرب «هل أصابهم الصمم؟ ألا يسمعون إسرائيل ترفض عودة اللاجئين؟ ومع ذلك يطلبون السلم معها؟ أي حل يريدون؟». يستثير الكلام ياني المتحفظ «لا أريد أن أتكلم بالأزمات السياسية». لكنه سرعان ما يضيف «الصراع في سوريا، لبنان، وفلسطين معقد. لذلك يرفض الفرنسي العادي معرفة شيء عن هذه المشكلة. ونحن نريد تصحيح الفكرة السائدة عن الفلسطينيين بأنهم إرهابيون».
انتهى اللقاء. يغادر وجهتهما؟ فالسفارة الفرنسية حيث كانا سيحاولان الشرح للسفير «ما الذي سيقوم به اللاجئون الفلسطينيون في فرنسا». وقبل أن يغلق باب المصعد، سمعنا «السلام عليكم» بالعربية، ولكن بلكنة فرنسية «مهضومة».


ماذا سيفعل المختارون الـ 12؟

أول من أمس سافر المختارون الـ12 إلى فرنسا حيث سيبقون حتى 23 من الجاري. ستكون إقامتهم حافلة بالنشاطات، وسيشاركون شباباً من مقاطعة بريتاني في افتتاح معرضين، أولهما «الشارع» الذي يتضمن صور يوميات اللاجئين في الشتات، والثاني «أرض الوطن الضائع» للفرنسي آلان جينو الذي يجمع بين صور للاجئين وصور قراهم الأصلية