خطف قاصر بقصد الزواج. هو خبر يكاد يكون «طبيعياً» في بلادنا. لكن أن تختفي الفتاة، وأن لا تجيب التحقيقات مع أحد المتهمين عن مكان وجودها، فهو أكثر ما يثير الأسى في نفوس أهلها، الذين لا يريدون أكثر من يقين
عبادة كسر
غادرت ريهام (1990) منزل والدها حسن ع. في الطريق الجديدة قبل سنة و3 أشهر بغية التقدم لامتحانات «البريفيه». كان والداها يأملان أن تنال الشهادة المتوسطة. لكنها لم تعد إلى المنزل منذ ذلك الحين. وكل ما علمته العائلة، أن الابنة حازت عقد زواج مشكوك في وجوده. فزوج الابنة، حسام، مجهول كامل الهوية ومكان الإقامة.
بعد انقطاع أخبار ريهام، حمّل والدها مسؤولية اختفائها لخالها وحيد. فالعلاقة بين الخال وابنة أخته كانت وطيدة جداً. يقول حسن (والد ريهام): «شو بدّي خبركن؟ الحرقة بتبقى بالقلب». يصمت، ويحاول إخفاء دموعه عن أنظار زبائنه في مرأب للسيارات وسط بيروت، لكنها ما لبثت أن فاضت على وجنتيه. يسأل بصوت مرتجف: «إذا كانت مقتولة أريد أن أعرف، وإذا كانت متزوجة، أريد أن أعرف أيضاً. بدي جواب».
بعد اختفاء ريهام مباشرة، لجأ الأب إلى وحيد طالباً المساعدة، فما كان من الأخير إلا أن وعده بأن «يخرّب الدنيا» للعثور على الفتاة، لكن الوعد الأول تبخر مع ولادة نظير له. يضيف الوالد: «بعدما قيل لنا إن ابنتي تزوجت شاباً مجهولاً، وعدني وحيد أن يحضر صورة عن عقد الزواج. وكالعادة لم يفعل». ولمّا لمس حسن تهرّب وحيد من الوعود، ادعى عليه أمام مخفر طريق الجديدة، متهماً إياه بالاشتراك في العملية، سواء كانت خطف ريهام (كانت قاصراً حينذاك) أو هروبها.
وخلال التحقيق أنكر «وحيد» التهم الموجهة إليه، واعترف بأنه كان بصدد استئجار شقة لريهام من دون معرفة أحد. ثم أقر بمعرفة صديقة ريهام س. ح. التي كانت صلة الوصل بين القاصر والخال، بعدما منعته العائلة من رؤية ابنة شقيقته. اعترف وحيد بأنه التقى س. ح. قبل يومين من اختفاء ريهام، وسلمها بطاقات هاتفية (تليكارت) طالباً منها إيصالها لريهام. صباح اليوم التالي، وصلت الأخيرة برفقة والدتها إلى المدرسة، حيث كان وحيد بانتظارها. اختبأ وراء سيارة منتظراً مغادرة شقيقته، ثم تحدث مع ريهام على انفراد. بعد ذلك، ظهر حسام وأبلغ الخال بأنه يريد الزواج بريهام، مع العلم أن الخال كان على معرفة بخشية ريهام من رفض أهلها للشاب لكونه فلسطينياً. غادر وحيد المكان تاركاً ابنة أخته مع الذي يريد الزواج بها. وفي اليوم نفسه تلقى وحيد اتصالاً على هاتفه الخلوي من رقم غير مرئي تبين له أنه حسام، يبلغه فيه بأنه متوجّه إلى طرابلس لعقد قرانه على ريهام. ويؤكد حسن ع. تلقيه اتصالاً من ابنته بعد يومين من اختفائها وهي تصرخ وتبكي وتقول: «بابا أنا كتبت كتابي وطلعت على المخيم». وعندما حاول الوالد الحصول عى معلومات إضافية أقفلت الخط بعدما قالت: «هلق بيجو بيعيطو عليّ». وظهر فيما بعد أنها اتصلت من سنترال على الطريق العام.
يوم 30 أيار 2008، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في بيروت القاضي سامر يونس حكماً وجاهياً بحق وحيد، أدانه بجرم الخطف (بمقتضى المادة 514 من قانون العقوبات، التي تنص على: «من خطف بالخداع أو العنف فتاة او امرأة بقصد الزواج عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات»)، وحبسه سنة وبإلزامه دفع مبلغ 10 ملايين ليرة لبنانية للمدعي بدل عطل وضرر.
وكيل وحيد استأنف الحكم، وحددت الجلسة يوم 19 كانون الثاني المقبل. وفي هذا الوقت، تؤرق التساؤلات عائلة ريهام: من هو حسام؟ أين يقطن؟ هل أنكر وحيد معرفته بمكان إقامة حسام؟ أين ريهام؟ لماذا لم تتصل منذ أكثر من سنة؟ هل تعرضت لسوء؟ السكون يلف منزل العائلة أثناء التحدث عن القضية. الأم تريد الاطمئنان عن ابنتها، والأب «لا يغمض له جفن»، وأراد من خلال «الأخبار» أن يوجّه رسالة إلى ابنته حتى تعود إليه أو تجري اتصالاً تطمئن فيه العائلة، ويقول لها: «لا تخافي. عودي مهما كانت أسباب غيابك، فأنت طفلتي، سأحضنك وأحميك من كل أذى».