ابراهيم الأمينللمقاومة في لبنان خصوم من أصناف عدة. بين هؤلاء من يعتقد أن المقاومة بحلّتها الراهنة أخذت منه الكثير، أخذت من مجد ضائع لم يكن أصلاً بالحجم الذي يتوهّمه، علماً بأن المقاومة فيها من الفائض ما يكفي ليغرف منه من يشاء، بين أهل الجنوب وبين أهل البلاد وبين العرب أيضاً. ومن كانت له صلة ما في الماضي بهذا التيار الكبير، يجب أن يفخر بما أنجز لاحقاً، لا أن يكون حاقداً عاقّاً قليل الوفاء وضيّق الصدر ومحدود المبادرة. ويفترض بمن يظن نفسه أهلاً للقيام بدور عام أن يستفيد من تجربة الآخرين الذين أتوا من بعده، وأن يعود بمراجعة نقدية تتيح له التعلّم والاستفادة والتخلّص من عقد النقص التي تجعل منه صغيراً إلى أدنى من قامته.
وللمقاومة وتيارها في لبنان أنصار لم يتطلّبوا يوماً مديحاً أو رسماً لانتصاراتهم، رغم أن تكريمهم لو جرى بعدالة لما كان لدينا وقت لنقوم بأشياء أخرى. وإذا كان الجمهور يعاقب من تلقاء ذاته من يخون ذاكرته ومن يتخذ لنفسه موقعاً مخالفاً بقصد التميّز ليس إلا، فإنّه لا يهتم كثيراً بردات الفعل التي تدلّ على صبيانية، وعلى نقص في الكفاءة، وعلى رغبة في تحويل الجرأة إلى فعل الوقاحة الذي يقود الإنسان ليكون شتّاماً لا يجد من يستمع إليه، ولن يجد من يرد عليه ردحاً وتقذيعاً.
بين أهل الجنوب اليوم، رجال عاصروا كل المقاومات التي تعاقبت على مواجهة إسرائيل، وهم اليوم يشعرون بقوة في دواخلهم لا تمنعهم من انتقاد كل خطأ يرتكبه مقاوم حالي. ولهؤلاء الرجال قدرات على المناقشة وضمان جودة التغيير والإصلاح بما يجعلهم قوة إضافية للمقاومة نفسها. وبين هؤلاء مواطنون لم يغادروا منازلهم يوماً، ولم يتركوا مطارحهم ولا أشغالهم ولا مدارسهم ولا كتبهم ولا أرضهم، ولم يشعروا بالحاجة إلى إرضاء فاسدين من أقطاب الإقطاع وصبية العصر. ولهؤلاء القدرة على قول كل شيء في أوانه، وعلى مواجهة التعسف من أي جهة أتى، وعلى تجاهل الأصوات المقزّزة التي لا تنطق إلا بالسمّ، الذي يسكت عروق أصحابها منذ أن صاروا أدوات عند الغير.