ردّ حازم صاغيّة الأسبوع الفائت على كتابات الدكتور أسعد أبو خليل الأسبوعيّة في «الأخبار» («الأخبار»، عدد 670، الخميس 6/11/2008). بعد ردّ الزميل بيار أبي صعب على صاغيّة أمس («الأخبار»، عدد 677، الجمعة 14/11/2008)، هنا ردّ أبو خليل
أسعد أبو خليل*
كنت أودُّ أن أردَّ على حازم صاغية في جريدة «الحياة» نفسها (كما ردّ هو في «الأخبار») إلا أن منبر أمير التنوير الوهابي لا يسمح بنشر آراء معارضة كما تفعل «الأخبار»، لفخرِها. فجأة، توالت الانتقادات ضدّي في أسبوع واحد في إعلام آل سعود وآل الحريري. طبعاً، يجب أن يتوقع الناقد أن يتعرّض للنقد، لا بل يجب أن يفترض ذلك، وإلا فإنّه في مهنة لا تليق به. قال المتنبي قديماً: «إذا اعتاد الفتى خوضَ المنايا، فأهونُ ما يمرُّ به الوحولُ»، حتى لو جاءته من لدن حاشية آل سعود وآل الحريري الإعلامية. لكن تزامن الانتقادات يوحي بتناغم يتطابق مع نظرية المؤامرة التي لا يؤمن بها فريق آل سعود إلا إذا جاءت من صوب إيران وسوريا. وهناك نقد يُرَدُّ عليه ونقد لا يُرَدُّ عليه. كان ردُّ داود الشريان مهذّباً، مع أنه أعلن نهايتي. هل الآجال بيده، أم أنه يعلم ما لا أعلم: هل أصدرت هيئة صغار العلماء في السعودية فتوى بقتلي لتنهيني؟ لكن الشريان كان صريحاً خلافاً لصاغية الذي يلفّ ويدور ويراوغ ويتحايل: العقدة كما قال الشريان كامنة في نقدي وتهكّمي ضد خالد بن سلطان. ويساري سابق (ترونه صباحاً هائماً في منطقة الزيدانية) يعترض فقط على سخريتي من معرفة سعد الحريري بهيغل، ويقول إن سعد ضليع في الفلسفة الألمانية واليونانيّة. وهو يدعو المجلس الكاثوليكي للإعلام لحمايته من نقدي.
لحازم صاغية نسأل: إذا كان أسعد أبو خليل نكتةً، فلماذا تبدو يا حازم ثائراً هائجاً لا باسماً أو ضاحكاً؟ حتى انك لم تستطع أن تكظم غيظك وبدوت مهووساً بمقالاتي، إلى أن خلتك سهراناً يقظاً تنتظرُ نشر مقالتي لتحضّر نفسك لتوعّكٍ ما أسبوعي. لكن صاغية كشف جوانب مستورة من شخصيته في ردّه الصريح على نقدي (المستمرّ) له. ومن اللافت أن صاغية في مقالته استعان بالبذاءة والسوقية التي نقرأها عادة على لسان فارس خشان على الإنترنت. وفريق خالد بن سلطان وسعد بن رفيق (وهو فريق متراصّ) يلجأ إلى شتائم واتهامات شخصيّة ثم يقول معترضاً إنه تعرّض للشتم. طبعاً، هذه الحيلة لا تنطلي على قرّاء الجريدة لأن قسم الأرشيف موجود ويستطيع القارئ والقارئة العودة للحكم على هويّة الشتّام. صاغيّة هو مثل رفيقه في النضال البلاطي، فارس خشان، الذي وصف مرّة سياسياً لبنانياً معارضاً له بـ«الخنزير البرّي» من على شاشة التلفزيون، ثم عاد ليعترض على القدح، ويقول إنه ينأى بنفسه عن أسلوب الشتم، وكان هذا في الحلقة نفسها.
هناك ما يزعج فريق الوهابية الإعلامي من انتقادي لآرائهم. خرج صاغية عن طوره وهاج وماج. وكَشَف المخبأ: أنه ملتاعٌ وملسوعٌ وملدوغٌ. هل أزعجه أنني فرضتُ عليه رؤية نفسه في المرآة السياسية لأن اليساريّين السابقين يتجنّبون رؤية المرآة؟ واحد يرى هاني حمود في المرآة، وآخر يرى شمعون بيريز، وصاغية ينظر إلى المرآة فيرى سلطان بن عبد العزيز يرقص رقصة العرضة أمام بوش. فقد صاغية أعصابه وأرغى وأزبد، لكنني لن أجاريه في الشتم أو في أسلوب التجريح الشخصي. سأكتفي بمقارعة الحجة بأخرى.
وأنا للحقّ كنت أستمتعُ بمقالات صاغية الصحافية في حداثتي، وإن كنت أُصبتُ بالدوار في لحاقي كقارئ بتقلّباته وتلوّناته التي ما حادت يوماً عن توجهات ناشر أية صحيفة يكتب فيها. أذكره مزايداً على الحركة الوطنية اللبنانية من منطلق قومي عربي: كان صاحبُكم يودّ تحريرَ فلسطين وتوحيد الأمة قبل التصدّي للهمّ الوطني اللبناني، كان ذلك قبل أن يكتشف صاحبُكم حبَّ آل الحريري. وله كتاب ممتعٌ عن «موارنة من لبنان»، لكنّه تغيَّر، وجال في الأيديولوجيات وصال، ووقع صاحبُكم في حبّ الخميني (من أول نظرة) وصار يُنظِّرُ لـ«أصالة» الثورة الإسلامية ـــ وهي غير أصالة نصري تلك المطربة البديعة ـــ كان عادل إمام ظريفاً ومضحكاً عندما كان مهرّجاً، لكنه سمج عندما أخذ نفسه بجديّة فائقة وسقط وأصبح ثقيلَ الظل. ويوماً ما في التسعينيات قرَّر صاحبكم حازم أن يقبض نفسه بجديّة فائقة وأن يروّج لنفسه أمام المرآة كمفكّر وكأديمي، فقط لأنه يضعُ حواشي ومراجع (أو قل إنه يحشرها حشراً) في هوامش مقالات يجمعها في كتب صادرة عن دار نشره، مع أن كتاباته تتماشى مع الاستشراق الصهيوني الذي يعوّلُ على الإسقاطات التي تحقّرُ العنصر العربي. وبعد تجوال وسفر حطّ صاغية رحالَه في مضرب خالد بن سلطان. على الرحب والسعة، يا حازم.
لا أشك في أن صاغية سيندم على بعض ما جاء في مقالته السبابية القذفيّة (أو القذافية، لا فرق) إذ إنه أفصح عن مكنوناتٍ كان أفضل له أن يسترَها، ستراً للفضيحة. تحدّث مثلاً عن منصبي في «جامعة ثانويّة». هذا هو العقل اللبناني الموبوء والملوّث والمثقل بالتصنيفات والتراتبيّة الـ«سينيه» في الأحذية والبشر والجامعات. تصنيفات وقوائم وتراتبيّة على طريقة هرميّة النازية أو صغار العقول أو الاثنين معاً، وهناك دائماً عندهم الأفضل والأسوأ والأجمل والأفخم والأرقى، إلخ. فضحتَ نفسَك يا حازم، تلك هي ليبراليّة مقرن بن عبد العزيز وخالد بن سلطان. لكن المفارقة فاتته هنا. فأنا منذ طفولتي نتاجُ تعليم نخبوي وخاص حتى سنوات تخصّصي في أميركا، لكنني أحتقرُ التعليم الخاص والنخبوي. فيما هو نتاجُ تعليم جامعي ورسمي حكومي لكنه يكنّ احتقاراً (عقدة؟) للتعليم الرسمي الذي أفخر به وأدعمه. لا يعلم مدّعو المعرفة في بلادنا أن التعليم الجامعي كله رسمي في أسوج مثلاً، وأن بعض الجامعات الرسمية في أميركا (بيركلي وتكساس) تُعتبر متفوّقة على الكثير من الجامعات الخاصة. وأنا أفضّل تعليم الأبناء والبنات في الطبقات الشعبية أكثر بكثير من «أبناء الذوات» الذين درّستهم هنا في جامعات خاصة (وأدرّس بعضاً منهم في بيركلي). أنتَ يا حازم درستَ في الجامعة اللبنانية وتحتقرُها، وأنا درستُ في الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة جورج تاون في واشنطن وأحتقرُهما وأدعو لو كان الأمر بيدي لتأميمِهما كي تُفتحا أمام أبناء الطبقات الشعبية وبناتها. لو كان الأمرُ بيدي لفتحت أبواب الجامعة الأميركية أو جامعة جورج تاون أمام صاغية، ولتخلّص عندها من تلك العقدة التي تزعجه كثيراً. ويريدُ مني أن «أرتقي» إلى «جامعة أفضل»، وكأنني عرضةٌ لمعايير الطبقيّة والتصنيفات والوجاهة التي يرزحُ عقلُه تحت وطأتها، هذا الليبرالي، وهناك من يستطيع أن يطلعَ بخلاصة على هذه النزعة، لكني سأتجنب التحليل النفسي على طريقة صاغية المُضحكة أو الشخصانية، وهي مألوفة في صياح أولاد مدرسة في ملعب المدرسة في يومٍ حار. فَلتَ صاغية من عقال الأمير وصرّح في «الأخبار» عن مكنونات كان أشرف له لو بقيت مكنونات.
ويشكو صاغية من تكرار الإشارة إلى صولانج وإعدادها أطباقاً لبنانية لأرييل شارون (كما روى الأخير في مذكراته) أثناء زياراته الاحتلاليّة للبنان، ناسياً أن التكرارَ يعلّمُ... الصغار والكبار. ولا ندري سبب انزعاج صاغية الذي يبدو متابعاً لما أكتب أولاً بأوّل. هل يؤرُقك يا حازم أنك لم تساعد صولانج في إعداد تلك الأطباق؟ هل الذكرى تؤلمُك لأنك لم تساهم في عصر الليمون مثلاً؟ ما الخطب يا صاغية؟ أم أن الذكرى تثير فيك شجوناً متعلّقة بأحلام من يريد ويدعو إلى إقامة احتلال أميركي ــ إسرائيلي في طول العالم العربي وعرضه؟ لكن شارون في غيبوبة، ويُقال إن ابنه أتى إليه بسندويش شاورما في محاولة لإنعاشه، ويمكنك إذا كانت خدمة صولانج تثير فيك شجوناً أن تذهب إليه بسندويش فلافل مثلاً. لعلّ وعسى يا حازم. وأنت أصبحتَ مجاهراًبتأييدك للاستسلام أمام إسرائيل، وفي إيمانك بحكمة أنور السادات (أهو ليبرالي مثلك أيضاً، يا داعي التنوير؟) أنت تدعو الآن صراحة إلى توقّف كل أشكال مقاومة احتلال إسرائيل ليهنأ الاحتلال وينعم في ربوعنا. ما رأيك في ضيافة الشاي يا حازم؟
وصاغية، عميد شلّة أنس حاشية آل سعود وآل الحريري، صريح في نخبويّته، إذ إنه لا يجد غضاضة في تعييره للناس إذا لم يتفقوا معه في يمينيّته وساداتيّته. فهم أغبياء وبسطاء وجهلة. أما نخبة صاغية ومروان المعشر وكَتَبة خالد بن سلطان فهم العُقّال لا الجهّال، فقط لأن المستشرق الإسرائيلي إيمانيويل سيفان يعبّرُ عن رضاه عليهما. ديموقراطي ويحتقر الناسَ ويسخر منهم ـــ إيه يا محسنين ومحسنات. سَحَرتهم سنوات بوش هؤلاء الذين يُسمّون هنا «صِبية وولفويتز» من العرب الذين لمجرد مصافحتهم الرجل مرة أو مرتين ظنوا أنهم صاروا في سلطة القرار العالي. وولفويتز كان لهم الأمل المُرتجىأما أن تستدعي الراحل صديقك جوزف سماحة في محاولة لارتداء ما لا يليقُ بك من مبدئيّة فهو قولٌ مردود. تغيّرت «الحياة» مرتين: مرة أولى بعدما ابتاعها خالد بن سلطان عام 1991، والمرة الثانية بعد حرب العراق الثانية عندما تغيّرت الجريدة مرة أخرى لتصبح نشرة دعائية فظّة: كانت «الحياة» في التسعينيات محافظة على نوع من الليبرالية الزائفة. ثم أنا لا ألوم كل من يكتب في جرائد سعودية. الحكم على الكتابة يا حازم، لا على الوظيفة بحدِّ ذاتها. أنا أحكمُ على مقالاتِك أنتَ. ماذا نفعل إذا كان الإعلام العربي مملوكاً في معظمه لآل سعود ولآل الحريري؟ لا أطالب بالبطالة حفاظاً على الكرامة والمبدئيّة. لكن هناك مثل جوزف وبيار من كتبَ ويكتبُ في الصحافة السعودية ومن حافظ (ويحافظ) على كرامته ولم يتلوّث (في كتابته أو كتابتها) بنفط خالد بن سلطان يا حازم. أما أنتَ: فتستفيق على خلاف سعودي ـــ قطري، فتقدح قطر، وإذا استفقتَ على مصالحة قطرية ـــ سعودية تختفي انتقاداتُك لقطر هكذا فجأة يا حازم. ما عدا مما بدا؟ هل هذا توارد خواطر بينك وبين ابن سلطان؟ ثم فسّر لنا طال عمرك: لماذا لم تكتشف شرّ النظام السوري إلا في اليوم الذي أعقب اندلاع الخلاف السعودي ـــ السوري؟ هل هو وحيٌ يأتيك من علياء آل سعود يا حازم؟ نوِّرنا، يا داعي التنوير الوهابي. ويستطيع القارئ أن يختبرَ حازم صاغية: إذا اتصلتَ به وأخبرتَه أن نزاعاً قد نشب بين مصر والسعودية، أضمنُ لكم أن صاغية سيكتشف في اليوم التالي طغيانَ حكم حسني مبارك. أنا أنتظر المصالحة السورية ـــ السعودية فقط لأرى تأثيرها على كتاباتك. صاغية يماشي سياسة الملك الأردني في جريدة أردنية، وسياسة آل نهيان في جريدة إماراتيّة، وسياسة آل سعود في جريدة سعودية. ويبيعُك علكة عن التنوير والليبراليّة.
ويعترضُ صاحبُكم على قولي إنه أيّد بوش وحروبه، مع أن كلامه منشور ولا يحتاج إلى جهد التفسيرات. لكنني ظلمت صاحبكم في أمر. صحيح أنه وجد شجاعةً ما مثلها شجاعة في توجيه نقد ملطّف لبوش في أيامه الأخيرة. وهذه الشجاعة هي مثل شجاعة من يشيد بحكمة الملك السعودي في منبر مهرجان الجنادرية. وهذه الشجاعة تذكّر بشجاعة صاغية عندما دعا العرب إلى تشرب عقيدة بوش من قلب... الذراع الفكري للوبي الصهيوني في واشنطن. أي أن صاحبَكم يخاطب العرب من معاقل الصهيونية. لكن صاغية راوغ في إشارته هنا: زعم أنه كان يتحدث عن العراقيين، مع أن الإشارة في نص الكلمة بالإنكليزية (الركيكة) على موقع المنظمة واضحة لا لبس فيها.
وتجرؤ يا حازم على اتهامي بـ«التزوير» في التعليق على كلمتِك أمام مؤسسة واشنطن الليكودية، والنص الكامل مُثبت على موقع الإنترنت؟ أنا أفهم دواعي التملّق والتكسب، لكن النص لا يحتمل التأويل. ولماذا تبدو مثل الحكام العرب محاولاً أن تقول شيئاً في واشنطن وشيئاً مختلفاً لقراء «الأخبار»؟ تدّعي أنك وجهتَ انتقادات إلى السياسة الأميركية من هناك؟ أين؟ عندما قلتَ إن «واجب» الولايات المتحدة البقاء في العراق «للمساعدة»؟ مساعدة وتدّعي نقداً لبوش اليوم؟ وأنت لم تدعُ شعب العراق فقط إلى تشرّب عقيدة بوش بل دعوتَ كلّ «سواد العرب» إلى تشرّب «رؤية بوش» للديموقراطية. على من تزوِّر مزاميرَك يا... حازم؟ ثم، وبكل جرأة وشجاعة لا يحسدُك عليها إلا كنعان مكّية الذي أكّد لبوش قبل الحرب أن الشعب العراقي سيستقبل المحتلَّ بـ«الورود والحلوى»، وصفتَ الإدارة الأميركية في أيار 2003 بـ«جوهرة الحرية والديموقراطية والمبادرة الفردية»، فيما كانت حمم القذائف والصواريخ الأميركيّة تسقط في العراق وأفغانستان. لكنك وجهتَ بعض الانتقادات إلى الإدارة الأميركية، هذا صحيح. فقد دعوتَ أميركا أمام جمهورك الليكودي إلى مزيد من «توبيخ» القيادة الفلسطينية على «قراراتها وأفعالها». (النص مثبت بالكامل هنا: http://www.washingtoninstitute.org/templateC05.php?CID=1634
ثم تحدّث قراء «الأخبار» عن مقالات «بالغة النقدية» ضد بوش. لا، هذا صحيح في وجه من وجوهه. فأنت تنتقد الإدارة من منظار جون بولتون. هذا هو نقدُك يا حازم. لكن أفصحتَ عن الكثير في ردّك علي. فقلتَ إنك تفضل «الإصلاحات التدريجية» على أي شيء آخر. هكذا بعبارة اختصرتَ السياسية السعودية برمّتها. الإصلاحات التدريجية؟ هذا الكلام هو صريح التأييد لأنظمة القهر والطغيان. بقي أن ترقصَ رقصة العرضة أمامَنا.
لكن صاغية كان صائباً عندما أشار إلى خلاف مع بوش. غير أن خلافه معه يركز على أمرين: أن بوش كان رحيماً جداً في تعاطيه مع العرب وأنه لم يستعمل عنفاً كافياً معهم. أنت وبولتون كنتما تريدان إضافة حروب أخرى إلى سجلّ بوش. والأمر الثاني يتعلق بتخلّف العرب الذي يستقيه صاغية من الاستشراق الإسرائيلي، لكنه يبدو هزلياً هنا، لأن صاحبَكم لا دراية له بالنتاج الأكاديمي الغربي، فيظنّ أن الكتابات الاستشراقية الإسرائيلية عن تخلّف العرب في الصحافة الإسرائيلية والأميركية هي ذروة العلم والمعرفة، وأنها لا تزال مقبولة بمعيار علم الاجتماع الغربي.
وكالمُخبر في وكالة الأمير مقرن بن عبد العزيز، دارَ صاغية في الشوارع والحارات يسأل ويستفسر في مجتمع صغير مثل لبنان، لعله يكتشف ما يعيّرني به أو ما يشينني. فماذا اكتشف صاحب مقرن بن عبد العزيز؟ اكتشف أني لجأتُ إلى منزل عمتي في صيف 1982 في بلدة القليلة الجنوبيّة، لأن عائلتي لجأت إلى بيروت الشرقية بعد إصابة حيِّنا في منطقة المزرعة بقصف إسرائيلي. لم أرد أن أرى بأم العين قوات بشير الجميل وهي متحالفة مع جيش الاحتلال في الشرقية، فرحلتُ جنوباً ولم أكن في صف حلفائه الذين استقبلوا نعال جيش الاحتلال بوجوهِهم. لم نفهم إشارة صاغية هنا؟ هل مأخذه أنني لم أساعد صولانج في إعداد أطباق لبنانية لشارون؟ أم أنه يأخذ عليّ أنني لم أحيِّ جزّاري صبرا وشاتيلا؟ ويزيد صاغية في الشخصانيّة فيسألُ عن مربيّتي: إنها ماتت يا حازم. اسمُها جورج حبش وغسان كنفاني وغيفارا غزة ودلال المغربي. أما عن مربيّتِك أنتَ، فهي موجودة بأسماء مثل مقرن وخالد وبندر ونايف وسلطان وإخوتهم. آثارُ تربيتهم في كتاباتك واضحة يا حازم. وتصطنع الإنسانيّة واستفظاع نقد لمحمود درويش في «الأخبار»؟ أنتَ الذي تشفَّى بعد موت جورج حبش وكدتَ تنبشُه من قبرِه لتشيدَ بمجازر أيلول في جريدة أردنية تشير إلى سنوات الملك عبد الله بـ«الشموس» ـــ هي شموسُ تنويرِك يا حازم.
والطريف أنك في ردّك وفي فقدانك لصوابك ـــ وهذا مديح غير مباشر لي ـــ جاهرت بعنصرية ذكوريّة فاقعة، إذ إنك سخرتَ من عقول النساء وتكلمت عن كلام «صبحيّات» النساء. هكذا أنتم يا ليبراليي الوهابية البن بازية: مثلك مثل ثوار الأرز الذين يصدحون بشعارات الحريّة في النهار، ثم يضربون خادماتِهم السريلانكيّات في المساء. وتحدّثني عن المساواة بين الجنسين وها أنت تسخرُ من النساء ومن عقولهنّ، وتعتبر النسوية في حد ذاتها سبّة؟ أنت تعيّرني بمقارنتي بالنساء: وفي هذا دحضٌ للكلام الذي قد تقوله مرة في السنة (حاضراً أو مستقبلاً) في حرية المرأة. كفى ادعاءات يا حازم: حرية المرأة وآل سعود لا تجتمعان أبداً.
وصاغية لا يعرفني، ولهذا فهو لم يعرف كيف يهينني. لا يدري أنني لا أشاطره في عبادة معايير الجاه والموقع السائدة في وطن التعاسة. يتحدّث عن المناشير والكراريس: وهي عندي أغلى من أي تقدير أكاديمي. أنا أفخرُ بمساهمتي بمناشير تحريض ثوري في أيام دراستي الثانويّة والجامعية في بيروت أكثر من أيّة كتابة أخرى لي. ولا أزال أعتزّ بكتاباتِنا الثوريّة على جدران بيروت عندما كنا نظنّ أن «الجدران ترتعش من ملامسة أصابعنا». هو يتحدّث عن ألقاب وهي لا تعنيني في شيء. حجرٌ في يد طفل في مخيم فلسطيني أغلى عندي من كل لقب وجاه. أنت تفخرُ بالأمراء، وأنا أفخرُ بالفقراء. أنت تنادي بالتطبيع مع إسرائيل، وأنا أدعو إلى تحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر. أنا منسجمٌ في مواقفي، وأنت مع التنوير ومع البن بازية. أنا أناصر الشعب العربي المقهور أينما كان، وأنت تدعو إلى ديموقراطية (حروب) بوش من جهة وإلى دعم الأنظمة القمعية إلا إذا عارضت مشيئة آل سعود. أنت تحتقرُ الناس لأنك ترى في حكم آل سعود رأس الحكمة، وأنا أحتقرُ كل الأنظمة (المُمانعة والخانعة على حد سواء). أنت أيدت حروب بوش على منطقتنا، وأنا أعارض حروب بوش وحروب إسرائيل. أنا أناصر المساواة التامة بين الرجل والمرأة وأنت تعبّر عن احتقار المرأة عندما تفقد أعصابك كما فعلت في ردّك. أنت تهاجم وتوالي وفق مشيئة أمير تزخر صحف الغرب بأخبار رِشاه وصفقاته وغبائه، وأنا أنتقدُ كل الأنظمة، ولن تجد كلمة مديح لي في حق أي نظام عربي (أو إيراني) احتراماً مني لضحاياهم (وضحاياهنّ). أنت تريدُ فرض مشيئة الحكم السعودي والحكم الهاشمي على الناس، وأنا مع قلب كل الأنظمة دون استثناء. أنت تصف أميركا بـ«الجوهرة» وأنا أصفها بالإمبراطورية المتوحشّة.
لكنك يا حازم في موقع لا تُحسد عليه. من يريد أن يذكرَ تاريخُه أنه بدأ في الصحافة نصيراً للفقراء وفلسطين وانتهى بوقاً لخالد بن سلطان؟
* أستاذ العلوم السياسيّة
في جامعة كاليفورنيا
(موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)