ناصر أبو نصّارشارك شمعون بيريز في الولايات المتحدة الأميركية بمؤتمر حوار الأديان الذي عُقد في أروقة الأمم المتحدة بدعوة من العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. وعقد المشاركون جلسات خاصة مكرسة بالكامل للتقريب بين الأديان. وشارك في هذا المؤتمر، مجموعة من القادة والزعماء الأميركيين والأوروبين والعرب، على رأسهم كل من جورج بوش ورئيس الوزراء الإيطالي، وكل من العاهل الأردني، وملك البحرين، وأمير الكويت، ورئيس السلطة الفلسطينية، والرئيس اللبناني. لا يبغي هذا المقال تسجيل حدث هذا المؤتمر أو التعليق عليه، أو الحديث عن شخص شمعون بيريز الصهيوني البولندي، المهاجر الغاصب لفلسطين عام 1934، قائد ومنسق العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ومبرم صفقة مفاعل ديمونا النووي مع فرنسا، بل يبغي طرح التساؤل التالي: هل تصافح القادة والزعماء العرب مع شمعون بيريز؟
قد يجد البعض هذا التساؤل غير ذي أهمية وفقاً لمسار التسويات التي تبرم في المنطقة، بيد أن هذا التساؤل يجب طرحه بقوة، على الأقل في ذهن شمعون بيريز نفسه وأولئك الذين يسعون إلى مصافحته وإبرام الصفقات معه. بيريز الذي تلقى أخيراً صفعة موجعة على وجهه ووجه مشروع دولة العدو الاستعمارية من الطالب علي بهار، رئيس لجنة الطلاب العرب في الجامعة العبرية، والناشط في حركة «أبناء البلد» اليسارية حين رفض مصافحته قائلاً: «أرفض مصافحة قاتل الأطفال»، ما دفع بحرس بيريز وأمن الجامعة للانقضاض على علي بهار ورفيقه ناصر عودة واحتجازهما وسحب بطاقاتهما الشخصية والجامعية وتهديدهما بمفاجآت تنتظرهما، أكد أنه تابع جولته في الجامعة العبرية في افتتاحه للعام الدراسي الجديد، وأنه صافح طلبة آخرين، لكن حتماً بوجهٍ محمر من أثر الصفعة الموجعة التي تلقاها من يد الطلبة العرب وممثلهم علي بهار.
إنّ طرح هذا التساؤل البسيط يبغي بالضرورة تسليط الضوء على موقف قياداتنا العربية من مصافحة قاتل الأطفال، بالإضافة إلى محاولة إطاحة الخطاب الذي يستند إليه التحالف الطبقي العربي الكمبرادوري المرتبط بمراكز رأس المال العالمي في محاولات تشويه الوعي الجماهيري العربي، لإمرار مشاريع التسوية والاستسلام عبر هذه المؤتمرات وغيرها التي لن تفرز واقعاً مغايراً على الأرض، فلن تختلف الطبيعة الاستعمارية لدولة العدو وموقعها المتقدم في المشروع الإمبريالي في المنطقة بين مؤتمر وآخر، ولن يختلف التحالف الطبقي الكمبرادوري العربي المستسلم بين ليلة وضحاها، فهذه تساوي تلك، وتلك تساوي هذه.
نستطيع ببساطة أن نطرح استناداً إلى موقف علي بهار وحركة «أبناء البلد» طريقاً مختلفاً لإعادة الاعتبار لأحزاب حركة الطبقة العاملة، والحركات الديموقراطية الثورية، التي ـــــ باستثناء بعضها ـــــ مضت مطولاً، ليس فقط في قبول مشاريع التسوية مع الكيان الصهيوني المستعمر، بل وتغطيتها فكرياً. والمنطلقات التي تستند إليها تلك القوى التي تدعي تمثيلها للطبقة العاملة في قبولها لمشاريع التسوية مع الكيان المستعمر لا تختلف بتاتاً عن تلك المنطلقات التي تنطلق منها في رؤية واقع الصراع الطبقي والاجتماعي الدائر في بلدانها، ذلك أنه بعيداً عن الشعارات النظرية والإعلانات الثورية التي تمارسها العديد من تلك القوى، فهي تعقد الصفقات وينتقل منظروها وقياداتها من موقع طبقي إلى آخر، من موقع الطبقة العاملة ومصالحها إلى موقع البورجوازية ومصالحها، من موقع حزب ثوري للتغيير الاجتماعي إلى حزب إصلاحي بورجوازي، من موقع النضال ضد الإمبريالية العالمية وكيانها الاستعماري المتقدم في بلادنا العربية إلى موقع عقد التسويات والانخراط فيها.
ولمّا كان التحالف الطبقي الكمبرادوري الذي يحكم دولنا العربية مكشوفاً لناً، فلن نتوقع منه شيئاً مخالفاً لما يحصل، ومن هنا ينبغي لنا الإضاءة على أنه لن يكون هناك أي مشروع تحرري عربي لا تقوده قوى تنتمي حقاً إلى الطبقة العاملة. قوى صلبة متماسكة لا تقبل التسويف الفكري والانجرار إلى مواقع البورجوزاية على المستوى النظري والعملي.
إن الصفعة الموجعة التي وُجِّهَت إلى وجه بيريز ومشروع دولة العدو المستعمر، لا ينبع من كونه موقفاً فردياً صدر عن الرفيق علي بهار، بل هو موقف عملي ونظري لحركة «أبناء البلد»، حيث وضحت انتماءها الطبقي، فهي حركة جذرية للطبقة العاملة العربية في أراضينا العربية الفلسطينية المحتلة عام 48. وعلى هذا، رفضت الحركة كل مشاريع الاستجابة لإيديولجية العدو ومشاريع التذويب والإذابة، سواء في كيان دولة الاستعمار أو مؤسساتها، فهي حركة غير شرعية حسب ما يرى العدو المستعمر، تعرّض أمينها العام للاعتقال والسجن لمدة 4 أعوام، مكرسة بذلك نضالها الطبقي والقومي الوطني الحازم في وجه المشروع الإمبريالي من دون أن تمنحه تنازلاً واحداً يعطيه أو يضفي عليه المشروعية.
إن من يقبل وجود دولة الاستعمار الصهيونية سيقبل بالضرورة التحالف الطبقي الذي يكفل وجودها، وسينتمي حتماً إلى مواقع معادية؛ مواقع التبعية لمراكز رأس المال العالمي، وسينتمي بالضرورة إلى أعداء التحرير والحرية والاشتراكية.
من هنا، نعيد طرح التساؤل ونحاول الرد عليه في تساؤل آخر: هل ستصافح شعوبنا العربية زعماءها مجدداً؟ هل ستصافح شعوبنا عملاء الإمبريالية والدولار؟ هل ستبقى أحزاب الطبقة العاملة منعزلة عن مصالح طبقتها؟ هل سنصفع وجه الاستسلام والتسوية؟ أم سنصفع وجهنا للمرة المئة بل الألف؟