محمد شعير
أين ذهب سعيد صالح؟ هل هو مريض دائماً كما تقول الصحافة؟ لماذا اختفى ولا يظهر سوى في مشهد عابر مع بعض أفلام نجوم الكوميديا الجدد، أو ضيف شرف أفلام صديق عمره عادل إمام؟ عندما هاتفناه للاتفاق على موعد، طلب أن نعاود الاتصال به لأنّه في «ندوة أدبية». وفي المرة الثانية، التقينا في مكتبه الكائن في أحد الشوارع الصاخبة: شارع السودان، الذي يفصل بين منطقتي المهندسين الراقية وبولاق العشوائية. هكذا أيضاً، اختار صالح أن يقضي يومه مع عوده، الذي يلحّن عليه كل أغنيات مسرحيّاته الأخيرة، مع مكتبة بسيطة تضمّ الأعمال الكاملة لشعراء العامية المصرية، وتحديداً فؤاد حداد.
يختفي سعيد صالح عن الوسط، أصدقاؤه الآن من الوسط الثقافي. ربما من هنا نعرف سر شغفه بفؤاد حداد وسيد درويش: «منذ صغري، كنت أسمع سيد درويش، ثم درستُ كل مؤلفي الموسيقى والملحّنين قبل سيد درويش وبعده. حاولت أن أقدّم الموسيقى في مسرحياتي منذ 1982 لأؤكّد معاني أخرى بخلاف العشق والغرام. أقدّم معاناة مختلف طوائف الشعب، ووجدت في كلمات صلاح جاهين وأحمد فواد نجم وفؤاد حداد ضالتي». كما أنّ كثيرين من ملحّني حداد السابقين لم يدركوا المعاني العميقة في أشعاره. يقول: «عندما قدم سيد مكاوي «المسحراتي» قصد بها إيقاظ الصائمين للسحور، بينما كان حداد يقدّم مسحراتي الوطن لإيقاظ الشعب كله». لكن ألا يفكر في تقديم ألبوم غنائي؟ يجيب: «أنا أغنّي وألحّن ما يخدم مسرحي فقط».
المسرح هو كلمة السرّ لسعيد صالح. رغم مشاركته في 500 شريط في ما يُعرف بأفلام المقاولات... إلا أنّني «لم أهتمّ بالسينما أصلاً، قدمت فيها أعمالاً لأصرف على المسرح». بدأ نجم «العيال كبرت» التمثيل صغيراً. كان والده الأزهري بارعاً في تقليد أقاربه. وفي المدرسة الإعدادية، كان أستاذ المسرح الفنّان حسن يوسف الذي اكتشفه وقدّمه إلى مسرح التلفزيون، حيث أدّى العديد من الأدوار الصغيرة: «الطريق المسدود» مع نور الدمرداش، و«عودة الروح» مع جلال الشرقاوي... الانعطافة الثانية كانت لقاءه عطاء النقاش، الشقيق الأصغر للناقد رجاء النقاش، الذي هاجر إلى أميركا، حيث توفّي: «بدأت دراسة الصحافة في كلية الآداب، وكنت بصحبة عطاء النقاش ندور على المسارح ودور السينما».
كان يطمح إلى أن يصنع كوميديا مختلفة منذ البداية. لذا وصل إلى أوّل بطولة له في مسرحية «111 كفر أبو مجاهد» مع صلاح منصور عام 1963. ثم اتجه للعمل في مسرح تحية كاريوكا، حيث قدّم مسرحية موليير «المتحذلقات» وقام ببطولة العديد من الأعمال التي جمعته مع نجوم جيله مثل «البيجاما الحمراء» و«الحرافيش» و«القاهرة في ألف عام». في هذه الأخيرة، كان أحمد زكي يظهر على المسرح ليقول جملةً واحدة، كذلك محمد صبحي، بينما كان سعيد صالح يقوم بدور صحافي ثوري يبحث عن تاريخ القاهرة. كان ذلك عام 1967 وكانت مصر خارجة من هزيمة، تبحث عن نفسها كما يقول. في تلك الفترة وتحديداً عام 1971، أدّى صالح بطولة مسرحية «اللص الشريف» بمشاركة محمود المليجي، وأحمد زكي، ومديحة كامل. لكنّ المسرحية فشلت فشلاً ذريعاً: «عشت أياماً سوداء، وقررت الهجرة إلى أميركا، إلى أن عرض عليّ مدحت خفاجي مدير مسرح «المتحدين» دوراً في مسرحية «مدرسة المشاغبين».
كان نجاح المسرحية نقطة تحول في علاقة سعيد صالح بالمسرح والجمهور، و«فاتحة سكك» لجيله. والعجيب أنّ مصائر «المشاغبين» في المسرحية تقاطعت مع مصائر أصحابها في الواقع: يونس شلبي أدّى دور التلميذ الأبله اللامبالي، وظل أسيراً لهذا الدور حتى رحيله. أحمد زكي أدّى دور الشاعر الرومانسي الفقير البعيد عن «مشاغباتهم» الذي يقرر الانتحار، ويموت في الواقع قبل أن يكتمل مشروعه. وهادي الجيّار المنعزل، المنزوي، يظل فعلاً كذلك حتى الآن. يبقى فقط عادل إمام «العقل» المدبّر لكل الكوارث. في «مدرسة المشاغبين»، اقتسم عادل إمام وسعيد صالح الأدوار: «أنا المخّ وأنت العضلات» يقول صالح. وبالفعل، يتجاوز الوصف حدود المسرحية إلى حياة أبطالها الفعلية، نصّب عادل إمام نفسه «زعيماً» للكوميديا مسرحياً وسينمائياً، واحتفظ سعيد صالح بأدوار «ضيف الشرف» في معظم الأفلام الجديدة، و«زعيم مسرح المعارضة» كما يحبّ أن يسمّي نفسه. ربما لهذا عندما يغني سعيد أغنيته الشهيرة «الدنيا حظوظ.. حظوظ الدنيا»، يبدو كأنّ كلماتها تنطبق على حياته أكثر مما تنطبق على «مرسي الزناتي» بطل المسرحية.
سعى صالح إلى صياغة أسلوبه من دون تقليد أحد، فهل كان هذا الاختلاف بوعي؟ يجيب: «أي هو فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي، ومحمد عوض وأمين الهنيدي، وجدي نجيب الريحاني وعلي الكسار. كان سؤالي ماذا فعل جدي وأبي؟ وكانت إجابتي: هما قدّما الكثير ولن أقلّدهما. وكنت محظوظاً أن وجدت عادل إمام، وأسماءً مثل يونس شلبي، وأحمد زكي وصلاح السعدني. هكذا بدأنا بالاختلاف».
لم تكن مشكلات هذا الجيل هي نفسها مشكلات الأجيال السابقة، ومن هنا، بدأت المجموعة بتناول مشكلاتها الخاصة: «التعليم في «مدرسة المشاغبين» وفي «قصة في الحي الغربي» والهجرة في «أولادنا في لندن». هذه المسرحيات يراها صالح أهم بكثير من «المشاغبين» و«العيال كبرت». لكن ظروفاً سياسية حالت دون تسجيلها. ثم اتّهمت المسرحيات بإفساد أجيال كاملة من الشباب. يغضب مرة أخرى: «لا، إحنا جينا لقينا التعليم متباع، وكنا طلبة ومحدّش أفسدنا. إحنا كنّا بنقول الحقيقة فقط».
يزداد غضب صالح عندما يتذكّر «العيال كبرت»: «لم تُعرض حتى الآن في مصر كاملةً. لا أعرف الرقابة على مَن تحديداً. كنا نقدّم الواقع كما هو، هل هذه جريمة؟»، بعدما انفصلت فرقة «المتحدين»، اختار سعيد أن يقدّم مسرحاً سياسياً في «كعبلون» أو «قاعدين ليه» وغيرهما. المشاغبة السياسية نقلت اسم صالح من صفحات الفنّ إلى صفحات الحوادث حيث ألقي القبض عليه ثلاث مرات: الأولى بسبب خروجه على النص ليصبح «أول ممثل في العالم يُسجن بسبب ذلك». في مسرحيته «لعبة اسمها الفلوس» (1983)، وقف على الخشبة قائلاً: «واحد وكلنا المش، وواحد علمنا الغش، وواحد لا يهش ولا ينش» قاصداً بذلك رؤساء الجمهورية الثلاثة الذين تناوبوا على حكم مصر، فحكم عليه بالسجن ستة أشهر. ولم تكن هذه المرة الأخيرة التي يستضيف فيها السجن سعيد صالح! ففي 1991 أُلقي القبض عليه بسبب تدخين «الحشيش» ــــ كما أعلن وقتها ــــ ثم أُفرج عنه لعدم كفاية الأدلة، وتكرّر هذا الأمر بعد أربع سنوات، فسجن عاماً. يقول: «لا أريد الحديث عن الماضي. دعنا في المستقبل».
لكن ألم يفكر في تقديم أدوار تراجيدية؟ يجيب: «لا، هناك مواقف تراجيدية كثيرة في مسرحياتي الكوميدية»، مضيفاً «الرقابة لم تتحمّل مسرحياتنا، لذا لم يجرِ تصويرها كلّها». سعيد صالح أشهر المشاغبين في المسرح المصري يستعدّ حالياً لتصوير فيلم جديد مع المخرج أسامة فوزي، وتحضير عمل مسرحي بعنوان «الشاطر» عن أشعار فؤاد حداد، يشاركه البطولة لأوّل مرة محمد عادل إمام.


5 تواريخ

1938
الولادة في القاهرة

1965
رشّحه المخرج جلال الشرقاوى لدور صغير فى مسرحية «عودة الروح». وبعد عامين، شارك مع حسن الإمام في فيلم «بين القصرين». في العام التالي تخرّج من قسم الصحافة في كلية الآداب ــــ جامعة القاهرة

1971
شارك فى بطولة مسرحية «مدرسة المشاغبين» وكانت انطلاقته الكبرى نحو النجومية والشهرة

2007
تكريمه في «مهرجان المركز الكاثوليكي الـ 55 للسينما»

2008
يستعد لبطولة مسرحيّة عن أشعار فؤاد حداد