لم يكد طلاب الجامعة الوطنية يهنأون بعودة الانتخابات، حتى ألغاها رئيس الجامعة لهذا العام حفاظاً على المصلحة العامة للطلاب والجامعة قبل الانتخابات النيابية. وفي وقت تفاوتت فيه ردود فعل الطلاب، يبدو التساؤل مشروعاً حول التمييز الفاضح بين طلاب «اللبنانية» وأقرانهم في «الخاصة» الذين يعتدّون بأنّهم يستطيعون تخطّي التشنج وممارسة حقهم في انتخاب ممثليهم
فاتن الحاج ـ ليال حداد
هل اتفقت العائلتان الموالية والمعارضة على حساب الشباب وشاركتا في اتخاذ قرار إلغاء الانتخابات الطلابية في الجامعة اللبنانية للعام الجامعي الحالي؟ الأرجح أنّ السؤال لن يلقى جواباً في المدى المنظور، لكن بالتأكيد، فالتسويات التي أدت إلى هذا الإجراء ستظهر قبل أو خلال الانتخابات النيابية في الربيع المقبل.
ورغم أنّ القرار يطال الطلاب في الدرجة الأولى إلا أنّ ذلك لم يمنع بعض الأساتذة من التأكيد أنّهم معنيّون بالموضوع، فأظهروا امتعاضهم من الإلغاء لأنّه يحرم ما يقارب 70 في المئة من الشباب الجامعي من ممارسة حقه في اختيار ممثليه. فيتّهم أستاذ معارض القوة السياسية التي ينتمي إليها، بسكوتها عن «الخرق السافر بحق طلابها أولاً عبر تواطؤ واضح مع قوى 14 آذار». ويؤكد أنّه لا يمكن لرئيس الجامعة أن يتخذ القرار من دون العودة إلى الجهات السياسية. ويستند الأستاذ في رأيه إلى عدم استنكار أي طرف رسمي للموضوع رغم تأكيد جميع القوى على «أهمية الشباب ودورهم في بناء المستقبل» الذي اتضح أنّه موضوع يجترّ عند الحاجة ثم يترك هؤلاء الشباب جانباً لاستعمالهم وقوداً في معاركهم القذرة».
أستاذ آخر يصنّف نفسه مستقلاً يؤكد أنه لا استغراب من سكوت القوى السياسية على الموضوع بعد تمييعها المطالبة بخفض سن الاقتراع، وضربها لحقوق أساتذة الجامعة.
وكانت قد تواترت معلومات مفادها أنّ الانتخابات الطلابية في الجامعة وخصوصاً في الفروع الثانية ستشهد كباشاً حقيقياً قد تتجاوز نتائجه وقوع جرحى. وقدّر مسؤول التعبئة التربوية في حزب الله يوسف مرعي أن تكون مخاوف رئيس الجامعة حقيقية. لكن هل تبرر المخاوف قرار الإلغاء؟ يسأل مرعي ثم يؤكد «أننا لا نستطيع أن نسجل موقفاً قبل الاطلاع على الحيثيات التي قادت إلى اتخاذ مثل هذا القرار ومصير المجالس الطلابية». ويرى أنّ الموقف قد يكون شبه مبرر إذا ما جرى ربطه بالسياسة، وخصوصاً «أننا نشهد استعدادات لمعركة يا قاتل يا مقتول وقد تكون الانتخابات الجامعية بروفا لها».
من جهته، آثر مسؤول مكتب الشباب والرياضة المركزي في حركة أمل الدكتور حسن اللقيس التريث قبل التعليق على التعميم وخصوصاً أنّه ليس لديه معلومات واضحة بشأنه، لكونه عاد للتوّ من الخارج، كما قال.
أما عميد التربية والشباب في الحزب السوري القومي الاجتماعي صبحي ياغي فكان موقفه أكثر وضوحاً، إذ وصف قرار «الرئيس» بالخاطئ واللامسؤول لكونه يلغي الحياة الديموقراطية في الجامعة، مستغرباً العنوان الأمني للقرار.
لكن الأمين العام لمنظمة الشباب التقدمي ريان الأشقر أسف لأن يخيّر الطالب بين التعبير عن رأيه وأمنه، مبدياً تخوفه من أن يكون «الإجراء المنافي لطبيعة لبنان ونظامه الديموقراطي مقدمة لتأجيل الانتخابات النيابية».
واليوم يعقد تيار المستقبل، حسب مسؤول الجامعات في بيروت طارق الحجار اجتماعاً، وقد أدرج إلغاء الانتخابات في الجامعة بنداً على جدول الأعمال لاتخاذ موقف رسمي منه. من جهته، يرفض مسؤول قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي في بيروت أيمن ضاهر القرار، وسيوزّع القطاع بياناً يعلن فيه موقفه من القرار. وفي موقف مشابه يستغرب مسؤول قطاع الشباب في حركة الشعب أحمد قمح، القرار «غير المبرّر». واحتجاجاً على القرار قد تنفّذ الحركة نشاطات بالتعاون مع قوى المعارضة أو بصورة منفردة.
وفي الوقت الذي بدت فيه الأحداث والإشكالات المتكررة في الفروع الثانية، السبب الرئيسي لصدور القرار، أكّدت كل القوى الطلابية الناشطة في هذه الفروع رفضها له وحرصها على إجراء الانتخابات. ولعلّ الإشكال الأخطر كان في كلية العلوم، قبل أسبوعين، حين طعن أحد القواتيين شاباً عونياً بسكين، غداة جرح طالب قواتي في الكلية. «فهل لدى رئيس الجامعة معطيات عن قرار سياسي لدى الفريق الآخر باتباع هذا الأسلوب في التعاطي داخل الجامعات؟»، يسأل رئيس لجنة الشباب والشؤون الطلابية في التيار الوطني الحرّ فادي حنّا. يتخوّف حنّا من حوادث تتكرّر في الفروع الثانية، لكنه يقول إن التيار ضدّ القرار بالمبدأ «الحلّ لا يكون بوقف الانتخابات بل بتطهير الجامعات من المخالفين». أما إذا كان سبب القرار تخوّفاً غير مبني على معطيات دقيقة «فهو مرفوض كلياً».
ورغم أن الخلافات والمواجهات غالباً ما تكون بين «العونيين» وطلاب القوات اللبنانية يجمع الطرفان على أهمية الانتخابات، فيؤكّد مسؤول الإعلام في الجامعة في مصلحة طلاب القوات زاهي نوح أن القواتيين ضد القرار «فلا أتصوّر أن هناك أسباباً محرجة أكثر من تلك التي كانت موجودة في السنوات السابقة». ويقول: «إذا كان القرار يهدف إلى مراعاة بعض الأطراف فهذا أمر آخر». ومن هي هذه الأطراف؟ «بدأت نتائج الجامعات تظهر، والخاسر هو من يحاول افتعال المشاكل»، يجيب نوح، في إشارة إلى مراعاة رئيس الجامعة لقوى المعارضة.
وفي الإطار نفسه، يتّهم عضو أمانة التربية في حزب الوطنيين الأحرار باتريك رزق الله «سلاح حزب الله» بصفته المشكلة بين الطلاب، مشيراً إلى أنّ «تصرفات ميليشياوية أدت إلى القرار». ورغم «الشعور بالغبن»، يرفض رزق الله إلغاء الانتخابات بحجة الخوف من المواجهات «إذا كان هذا هو المنطق المتّبع فلنلغ الانتخابات النيابية التي تكون فيها المواجهات أقوى».
أما الموقف الأكثر عقلانيةً، فأعلنه مسؤول مصلحة طلاب حزب الكتائب إيلي معلوف، الذي دعا الطلاب إلى التعالي عن الخلافات السياسية والتصرف بطريقة مسؤولة. هكذا، يلوم معلوف الطلاب بسبب الإشكالات التي وقعت في الفروع الثانية، إلا أنه يشدّد على أهمية إطلاق العمل السياسي في الجامعات. وعن التحركات المرتقبة ينفي معلوف وجود أي خطّة حالية «إذ ننتظر التشاور مع إدارة الجامعة لنفهم أسبابها، علّها تعود للتراجع عن المذكرة أو تعدّلها».