يخرّج معهد قوى الأمن الداخلي ما يفوق ألف عنصر سنوياً، يتعلّمون المبادئ الأمنية الأولية، قبل تحويلهم إلى القطعات الرسمية، أما الدورات التي تجريها الولايات المتحدة، فهي لإعادة تأهيل متخرّجي المعهد السابقين، فيما يسعى المعهد لافتتاح فرع جديد في عرمون
أحمد محسن
يصطفّ المجندون في صفوف غير متناسقة، فهم لم يصبحوا عسكريين بعد. ينتظرون ملابسهم الرمادية، ليحصلو عليها بالتدريج، ويشير بعضهم بإصبعه إلى زملائه الجدد، عند ارتداء البدلة الرسمية والقبعة الرمادية، بينما يُصدر الباقون القليل من الضوضاء، أثناء تبادل الحديث القصير، في جولة تعارف غير مرتّبة سلفاً. يصعب اكتشاف أي فوارق في السن بينهم، لكونهم يتشاركون «القرعة» ذاتها، كما يسع الناظر اكتشاف أنهم من مختلف المناطق اللبنانية، فإذا وقف إلى جانبهم، سمع لهجات مختلفة، تدل على اختلاف المناطق التي يأتون منها إلى معهد التدريب العالي في قوى الأمن الداخلي.
لا تطول إقامتهم في المعسكر أكثر من 6 أشهر، وأحياناً ثلاثة أشهر فقط، في حال إتمامهم خدمة العلم في السابق، كما هي حال الدورة الحالية. لكن يؤخذ في عين الاعتبار أنه في النهار التالي الذي يلي التحاقهم بالمعهد، يصبحون عناصر رسميّين تابعين لمديرية قوى الأمن الداخلي، فتصرف لهم رواتب شهرية كالعناصر الموّزعين على القطع، كل وفقاً لرتبته، كما تعود كلمة الفصل في أي خلاف بينهم إلى القضاء العسكري، ففي اللحظة التي يطأون فيها أرض المعهد، تطغى الصفة العسكرية على هويتهم الاجتماعية. الذي قد لا يعرفه الكثيرون، أن التطوع في القوى الأمنية يتطلب قراراً منفرداً من مجلس الوزراء، لا تشارك فيه المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، رغم أنها تنادي دائماً بزيادة عددها، ولفت المسؤولون عن المعهد إلى أنهم قادرون على تدريب 2000 متطوع دفعة واحدة، مذكّرين بحادثة وقعت منذ بضع سنوات عندما قرر مجلس الوزراء إدخال عدد كبير من المتطوّعين إلى السلك، بيد أن قادة المعهد لم ينفو اضطرارهم إلى الاستعانة بمعسكرات التدريب التابعة للجيش اللبناني آنذاك.
يستوعب معهد التدريب في الفترة الحالية ما بين 550 مجنّداً و700، يتخرجون جميعهم بعد إتمام الدورة، التي يخضعون فيها لدروس عسكرية، مسلكية، وقانونية، تتوزع بين الدراسة النظرية، والتطبيق العملي، وتهدف بالدرجة الأولى إلى «تنمية الروح العسكرية» لدى المجنّدين، أو تثبيت روحية العائلة في سلوكهم. تتخلّل الدورة حصص رياضية يومية بطبيعة الحال، وترى بعض المصادر في المعهد أن الرياضة هي الجانب الأكثر إزعاجاً لطلاب المعهد، لكن حجزهم (منعهم من المأذونية التي ينتظرونها خلال أسبوعين) أو سجنهم في النظارة أياماًَ قليلة قد يزيد من نسبة انضباطهم. ويمارس المتطوعون الرماية بمعدل ست مرات خلال الدورة، في الحقول المتاحة رسمياً، عبر رشاشات آلية متوسطة، وهي المتوافرة لدى القوى الأمنية اللبنانية، كما يتعلمون تفكيك الآلات الحربية وجمعها، من رشاشات ومسدسات، أي إن تدريباتهم تقتصر على الأمور الأولية فقط، قبل التحاقهم بالقطعات بعد تخرّجهم. وفي هذا الإطار، أشار مصدر أمني في المعهد، إلى أن المدربين يُصدمون أحياناً بالخبرة العسكرية لبعض المتطوعين، الذين يعرفون أكثر من زملائهم، بينما يشير مصدر آخر إلى أن الأمر لم يعد مستغرباً كثيراً، إذ «إن اللبنانيّين جميعهم خبراء في السلاح ويملكونه».
يؤكد المسؤولون التنفيذيون في المعهد أن الضباط الذين يقومون بعمليات التدريب لبنانيون. أمّا عن الدورة الشهيرة التي ظهرت فيها السفيرة الأميركية توزّع الشهادات على المتخرجين، والابتسامات على عدسات الكاميرا، فهي دورة إعادة تأهيل للعسكريّين القدامى، تجري بموجب اتفاقية تعاون، وتحصل التدريبات في المعهد بإشراف ضباط أميركيّين، لمدة عشرة أسابيع، يصار فيها إلى اختيار 200 عنصر ورتيب من مختلف الوحدات، حيث تجري «إعادة تأهيلهم». وأكد رئيس المعهد العميد عبد البديع السوسي لـ«الأخبار»، أن الدورات الأميركية ساعدت القوى الأمنية على التعرف إلى تقنيات جديدة في التحقيق، تتعلق بمسرح الجريمة، أسلوب التحقيق، وما تصفه الاتفاقية بـ«الوعي الاستخباري»، وهي الأمور التي كان يفتقدها المعهد سابقاً، كما يشير المصدر، لافتاً إلى أهمية التمييز بين طريقة تدريب العناصر العاديّين أو الرتباء، وبين طريقة تدريب الضباط، وخصوصاً أن قسماً من الضباط يلتحقون بعد إنهائهم الدراسة بالمدرسة الحربية، وذلك للحصول على دورة مسلكية، يشاركون فيها ضباط الأمن العام الدروس. كما يقترح المعهد الأسماء الممكنة لتوزيع العناصر كالدرّاجين وعناصر مكافحة الشغب، إضافة إلى عناصر «القوة الخاصة والفهود»، ما يستدعي توسيع المعهد، وهو ما تعمل الإدارة هناك عليه جديّاً، حيث يصار إلى بناء معهد حديث في مدينة عرمون، يضم كل التجهيزات الممكنة.


غياب العنصر الأنثوي